مَا كَهَا
ـ[بوحمد]ــــــــ[30 - 10 - 2003, 01:59 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
كنت أتابع ظهر اليوم قناة المجد والبرنامج الرائع "الملتقى الأدبي" وكان من ضمن المواضيع التي نوقشت: "ما السرّ الذي يجعلنا نهتز ونطرب لأحد الأبيات مع كونه بيت عادي المعنى (وأحياناً لا معنى له، كما علّق أحد الحاضرين!). أجاب أحدهم أن للغة دور رئيسي واستشهد بما تُرجم لابن الرومي والمتنبي، فالغرب أعجبهم ابن الرمي أكثر من المتنبي، وهذا مردّه، حسب قوله، للغة ... وقال آخر أن الصور تُتَرجم أما بلاغة اللغة فيصعب –أو يستحيل-ترجمتها .. وقال آخر:"بل صدق أو كذب العاطفة" .. ولكنهم لم يتفقوا-كعادتنا نحن العرب- على جواب شافي ..
الموضوع جدير بالنقاش والتحليل و أتمنى من الأخوة الأفاضل إبداء رأيهم فيه ..
أحد الأفاضل في هذا البرنامج أخذ بتحليل بعض أبيات لامية الشنفري ولكني توقفت متسائلاً عند هذا البيت:
فإن يَكُ مِنْ جِنٍّ لأَبرَحُ طارِقاً=وإن يَكُ إنساً مَا كَهَا الإنْسُ تَفْعَلُ
السؤال: "مَا كَهَا" فهمتها على أنها "ما هكذا"، فلم قُلبت وحذف بعض حروفها؟ فهل هي ضرورة الشعر أم أن هذا الأسلوب دارج في الجاهلية؟
ولم حُذفت النون في "فإن يَكُ" في أول الصدر والعجز؟
بوحمد
ـ[د. خالد الشبل]ــــــــ[31 - 10 - 2003, 02:00 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الأستاذ الكريم بو حمد
يبدو لي أن هناك عدة امور تعين على الإبداع الشعري، منها اللغة والموسيقى الإيقاعية للتفعيلة وجزالة الألفاظ ولا شك أن الفكرة التي يتضمنها البيت أو المقطع أو القصيدة تشكل سببًا رئيسًا في الإطراب، والمسأة تحتاج إلى آراء نقاد وأدباء متخصصين.
أما بيت الشنفرى فقبله:
وليلةِ نحس يصطلي القوسَ ربُّها ** وأقطَعه اللاتي بها يتنبَّلُ
دعست على غَطشٍ وبغش وصحبتي ** سعار وإرزيز ووجر وأفكلُ
دعست: طعنت. غَطْش: ظلمة. بَغْش: المطر الخفيف. سعار: حر النار. إرزيز: بَرْد. وَجْر: خوف. أفكل: الرعدة.
فأيمت نسوانصا وأيتمت إلْدةً ** وعدتُ كما أبدأتُ والليل أليلُ
الإلدة: الأولاد. والأليل: المظلم.
وأصبح عني بالغميصاء جالسًا ** فريقان مسؤول وآخر يسألُ
والغميصاء: موضع بنجد. وجالساً: أتياً نجدًا.
فقالوا لقد هرّت بليل كلابنا ** فقلنا أذئبٌ عسّ أم عس فُرْعُلُ؟
هرت: هو صوت الكلب دون نباحه. وعس: طاف بالليل. والفرعل: ولد الضبع.
فلم تكُ إلا نَبْأة ثم هَوّمتْ ** فقلنا قطاة رِيِعَ أم ريع أجدل؟
النبأة: الصوت. وهومت: نامت. والأجدل: ولد الصقر. أي: زال نومي كما يزول نوم القطاة والأجدل بأدنى حركة أو صوت.
فإن يكُ من جن لأبرح طارقًا ** وإن يك إنسًا ما كها الإنس تفعلُ
أي إن كان جنيًا. و (لأبرح) جواب قسم محذوف، أغنى عن جواب الشرط السابق، لأنه إذا اجتمع شرط وقسم حذفت جواب المتقدم، كما قال ابن مالك، رحمه الله:
واحذف لدى اجتماع شرط وقسمْ ** جواب ما قدمت فهو ملتزَمْ
و (كها) الكاف تشبيه، حرف جر، أو اسم، و المعنى: ما مثلها، إذا كانت اسمًا، والكاف من حروف الجر التي لا تدخل إلا على الظاهر. قال ابن مالك:
بالظاهر اخصص منذ مذ وحتى ** والكاف والوا و (ربّ) والتا
....
وما رووا من نحو (ربه فتى) ** نزر كذا كها ونحوه أتى
نزر: أي قليل، لأنهم استغنوا في جر الضمائر بـ (مِثْل) عن الكاف، ولو لم يستغنوا بـ (مثل) لزمهم دخول الكاف على كاف المخاطب، إذا كان مشبها به (كك) وذلك في غاية الاستثقال، فإذا اضطروا والضمير غائب أدخلوا عليه الكاف، كقول العجاج:
خلّى الذنابات شمالاً كثبا ... وأمَّ أوعال كها أو أقربا
وهو نادر. قال الزمخشري في المفصل:" وشذ نحو قول العجاج " وساقه. وجعله ابن عصفور في شرح الجمل مسموعًا في ضرورة الشعر. ونص على هذا ابن مالك في الكافية، إذ قال:
ومضمر الغيبة كافٌ خُففا ... في الشعر منه قول بعض من مضى
ولا ترى بعلاً ولا حلائلا ... كه ولا كهن إلا حاظلا
وأما (يك) فالأصل، يكنْ، لكن حذفوا النون أيضًا تخفيفاً، لكثرة دوران هذا الفعل في كلامهم، فلا يقاس عليه مثل: يهن و يصن، فلا يقال: يهُ، ولا: يصُ. قال الناظم:
ومن مضارع لكان منجزم ** تُحذف نون وهو حذف مالتُزمْ
وله شروط مذكورة في الشروح، والناظم اكتفى بالتمثيل مستوفيا الشروط.
ـ[بوحمد]ــــــــ[01 - 11 - 2003, 03:40 م]ـ
عفواً ولكن ... الليلُ أليلُ؟! للدلالة على شدة السواد!
كنت قبل يومين قد تأهبت لطرح سؤال حول بيت عرقلة الكلبي:
مَن لي بجيرونٍ، وجيراني وقد=نادمتهم في جنحِ ليلٍ أليلِ
وقد ظننتها مما يولده الشعراء من اساليب جديدة!!
ولكن هل هذه الطريقة هي من صيغ المبالغة؟
هل نستطيع مثلاً أن نقول:
ظهرٌ أظهرُ .. للدلالة على شدة الحرّ
صبحٌ أصبحُ ... للدلالة على وضوح النهار
نومٌ أنومُ ... للدلالة على الاستغراق بالنوم
......................
...................
هل هناك ظوابط لها؟ أم هي مفتوحة لكل اسم؟
بوحمد