[الطفولة المغتصبة ...]
ـ[زكي النصر]ــــــــ[16 - 11 - 2003, 01:43 م]ـ
قصة قصيرة
((الطفولة المغتصبة))
- بقلم: زكي صالح النصر
((فازت هذه القصة بجائزة المركز الأول في مسابقة الرئاسة العامة لرعاية الشباب بالأحساء))
في الفجر وعند بداية شروق الشمس معلنة عن ابتداء يوم جديد استيقظ (محمد) من سباته، فتح نافذة غرفته فتدفقت أشعة الشمس الذهبية الدافئة وملأت المكان دفئاً ونشاطاً وحيوية، نظر (محمد) من النافذة وإذا بالمكان مليء بالأطفال الذين كانوا يركضون هنا وهناك ويلعبون بالثلج الذي كان يغطي وجه الأرض بعد ليلة باردة مليئة بالعواصف الثلجية. كان محمد في قمة سعادته ونشاطه ففي هذا اليوم الجميل سوف يتم الإعلان عن نتائج الامتحانات في مدرسته.
محمد فتى، عمره سبع سنوات يعيش في مدينة بيروت، انظم أبوه إلى صفوف المجاهدين الذين يقاتلون في سبيل تحرير وطنهم من المحتلين، فبقي هو مع أمه التي آلت على نفسها أن تربيه تربية صالحة، وهذه هي السنة الأولى له في المدرسة ولذلك كان ينتظر نتائج الامتحانات بشوق كبير وسعادة غامرة.
في هذه اللحظات دخلت أمه إلى غرفته:
- هل استيقظت يا محمد.
- نعم يا أمي لقد استيقظت باكراً هذا الصباح.
- هيا إذاً كي تتناول فطورك قبل الذهاب إلى المدرسة.
- سوف أحضر حالاً يا أمي.
تخرج الأم ويتبعها محمد إلى غرفة الطعام وهو يترنّم ببعض الأناشيد، تناول إفطاره بسرعة ثم خرج مع عمه ليذهب إلى المدرسة، وبقيت أمه تنتظره عند باب البيت.
- لا تتأخر يا ولدي فأنا أنتظرك هنا.
- كلا يا أمي لن أتأخر.
وهنا صارت دموعه تجري على خديه.
- ما بك يا ولدي؟ لماذا تبكي؟
- لا شيء يا أمي … ولكني تذكرت أبي فقد كنت أتمنى أن يكون معي في هذا اليوم ويراني ناجحاً.
احتضنته أمه وقبلته ثم مسحت دموعه وأرسلته مع عمه.
ذهب محمد وبقيت أمه تنتظر عودته، ظلت تنظر إليه وهو ذاهب حتى غاب عن بصرها، رفعت طرفها إلى السماء وأحسّت ببعض الخوف والقلق على ولدها، لم تكن تدري لماذا هي قلقة عليه؟ هل كان ذلك خوفاً عليه أم أنه الفرح الكبير الذي يملأ قلبها كلما رأت ابنها مسروراً مبتهجاً؟ وكيف لا تكون كذلك وهذا وحيدها الذي لا ترى الحياة والسعادة إلا في عينيه، في هذه اللحظات لاحت أمام عينيها تلك الذكريات الجميلة التي عاشتها مع زوجها المجاهد، حيث كانوا يعيشون في رخاء وأمان، في حب و سلام، تغمرهم السعادة والبهجة من كل مكان، ولكن كل ذلك صار مجرد ذكرى قد محا واقعها العدوان الإسرائيلي .. فإلى متى يستمر هذا الحال؟ تذكرت كيف كان وداعها الأخير لزوجها كان سلاحه في يمينه وطفله الصغير (محمد) في شماله وهو يوصيها بالصبر وتسليم الأمر لله تعالى. خمس سنوات مضت على هذه الحادثة وهي لا تزال تذكرها وكأنها حدثت منذ خمسة أيام، خمس سنوات مضت دون أن ترى زوجها، خمس سنوات كئيبة يملؤها الحزن والألم، صارت الصور تتسارع أمام عينيها والدموع تنهمر على وجنتيها وهي لا تشعر بنفسها.
دخل محمد مع عمه إلى المدرسة، ذهب إلى مكان وجود النتائج وكم كانت سعادته كبيرة عندما رأى اسمه في مقدمة أسماء الناجحين فاندفع نحو مكتب أستاذه حيث استلم شهادته وعاد إلى عمه الذي ما إن رأى ابن أخيه حاملاً شهادة النجاح حتى دمعت عيناه فرحاً، ورقص قلبه سروراً.
خرجا من المدرسة يحثان الخطى وعندما اقتربا من البيت ورأى محمد أمه تنتظره لم يستطع مقاومة سروره الكبير فأخذ يجري مسرعاً نحو أمه منادياً:
(أمي … أمي لقد نجحت) ففتحت يديها لتحتضنه وتقبله إلا أن القدر لم يمهلهما فقبل أن يصل إلى أحضان أمه وإذا لغم قد انفجر تحت رجليه فسقط على الأرض يتخبط في دمائه الطاهرة البريئة التي امتزج لونها الأحمر القاني بلون الثلج الأبيض الناصع.هنالك صرخت أمه، وألقت بنفسها على جسد ولدها. وضعت رأسه في حجرها وهي تبكي وتنادي: (ولدي … ولدي حبيبي أجبني) ففتح محمد عينيه بصعوبة وعندما رأى أمه ابتسم في وجهها ورفع شهادته التي تلطخت بدمائه الزكية وقال ببراءة طفولية: (أمي … لقد نجحت في الامتحان)، وهنا لفظ أنفاسه الأخيرة.
ـ[ابن عقيل]ــــــــ[23 - 11 - 2003, 11:32 م]ـ
الأخ الأستاذ زكي النصر
حقا انها قصة رائعة ومؤثرة لا تكاد تنتهي من قراءتها إلا وتدمع عينك.
نسأل الله ينصر الإسلام والمسلمين على أعدائه واعدائهم في كل مكان
ـ[شراع]ــــــــ[27 - 11 - 2003, 06:51 ص]ـ
ورفع شهادته التي تلطخت بدمائه الزكية وقال ببراءة طفولية: (أمي … لقد نجحت في الامتحان)، وهنا لفظ أنفاسه الأخيرة.
أيها الضمير الحي: أين أنت؟!
أيها الماجد العربي: لِمَ هُنتَ؟!: confused:
جزى الله أخانا "زكي النصر" خيرا ...
ـ[زكي النصر]ــــــــ[27 - 11 - 2003, 12:12 م]ـ
أخي العزيز / ابن عقيل
أخي العزيز / شراع
لكم مني كل الشكر والثناء على تواصلكما، وبارك الله فيكما.
ولكما مني أجمل تحية.
أخوكما / زكي