تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذه اللغة مبهمة مخادعة ماكرة متعالية، لا تحترم عقل المتلقي، وتلتف على ادراكاته وتشعره انه ناقص، وان طرحها هو فوق مداركه. وفي الحقيقة ان نعتها بلغة ما هو الا من قبيل المجاز، وفي الواقع هي لغات لا حصر لها ولا عد، وكل شاعر من شعراء هذه الموجة له لغة منها، لا يمكن لاي لغوي في كثير من الاحيان ان يفهم تراكيبها، ولا العلاقة بين مفرداتها ومدلولات هذه المفردات، او الصلات ما بين سطر واخر.

ثمة اضاءة واحدة في خضم هذا الفضاء الغارق في الحلكة يخص ما يمكن ان تسقطه هذه اللغة، فترسم لنا عواطف مضطربة منهكة مهترئة تتقيأ اضغاث رؤى اعياها العبث فتهشمت قبل الوصول. ان قصيدة الحداثة بشكليها المذكورين آنفا هي بمثابة رحلة عودة الى المجهول والتهويم، حقائبها محملة بالطلاسم والاساطير، في عصر قضى فيه العلم والمعرفة والتقنية على هذه المنظومة الخرافية. ان ما يسمى قصيدة الحداثة ليست عربية الجذور والمنتمى والتاريخ، تسللت في عتمة ليل الثقافة العربية الحالك لكي تغتال تاريخا وتراثا وذاكرة.

لقد استبيحت القصيدة، وابيحت لكل من يدعي فروسية الشعر، فوجدها مطية سهلة، فصال وجال وملأ الميدان غبارا يظنه الجاهل سحابا، وما هو الا سراب. ولكي ننتقل من المجرد الى المحسوس، نتساءل هل حقا ان شعراء هذه الموجة الحداثية يكتبون ليجعلوا القارىء المتلقي يحلق معهم الى مزيد من التفكير، او ان يفكر بالمعاني التي طرحوها ورسموها له على خارطة قصيدتهم؟ وهل هم حريصون على ان يأتي هذا المتلقي بصور جديدة تضاف الى صورهم؟ وهل هم حقا يعملون بهدف تطوير ثقافة التلقي، واعادة برجتها على اسس عصرية؟.

وما زلنا نتساءل هل لدى هؤلاء الشعراء قواعد ضابطة ومعايير تحدد مساراتهم اللغوية واتجاهاتها؟ اننا نشك في ذلك، فحقيقة الامر كما يبدو انهم يكتبون لكي يقال انهم معاصرون مجددون ينطلقون من مدارس مجددة يرودها نقاد حداثيون عالميون في تطلعاتهم ورؤاهم. والحقيقة انهم سادرون في كتابتهم، سواء فهم المتلقون ام لم يفهموا هذه الشعوذة اللغوية، اذ يبدو ان الهدف هنا ليس هو الفهم بقدر ما هو الغموض، وليس هو التجلي بقدر ما هي الحيرة والارباك، وليست في النهاية هي اوراق شاعر، بقدر ما هي رقى ساحر. اغلب الظن انه لا هذا ولا ذاك هو الهدف ما دام هذا المتلقي لا يفهم شيئا من هذه اللغة، وقبله لم يفهم اللغويون الحقيقيون هذه اللغة.

في غمرة هذه المتاهة تظل القصيدة العربية الأصيلة بكل اشكالها العمودية وقصيدة التفعيلة رمزا للأصالة ومنارا للانتماء وجهاز مناعة فاعلا وحصينا في وجه تحديات عمليات التذويب والتغريب. ويظل الشعر بخير ما دام هناك شاعر واحد يرفض هذه الحداثة الضالة المضلة الدخيلة على تاريخنا وعلينا.

واما المتلقي فله كل الاحترام والتقدير، فهو في النهاية مصب الابداع وينتهي عنده. وعندما يكتب المبدعون والشعراء الحقيقيون فانهم يفكرون به حاملين له الوطن والحب والجمال وكل المشاعر الانسانية على اجنحة قصائدهم لتدخل بسلام الى كل جارحة من جوارحه، فتسافر به الى فضاءات تلون مشاعره وتنقلها من حالة الجمود الى حالة الحركة، وتحدث بها ايقاظا من غفوة، لا صدمة ولا تهويما ولا سفرا الى مجهول وضياع.

ـ[محمد سعد]ــــــــ[25 - 02 - 2008, 05:52 م]ـ

مشكر أخي نزار على ما قدمت

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير