[المعالي - لأحمد شوقي ...]
ـ[رسالة الغفران]ــــــــ[27 - 03 - 2008, 10:58 ص]ـ
أحمد شوقي
يقال: كانت فأرة الغيطان=تتيه بابنيها على الفيران!
قد سمت الأكبر نور الغيط=وعلمته المشي فوق الخيط
فعرف الغياض والمروجا=وأتقن الدخول والخروجا
وصار في الحرفة كالآباء=وعاش كالفلاح في هناء
وأتعب الصغير قلب الأم=بالكبر، فاختارت بما تسمى
فقال سميني بنور القصر=لأنني –يا أم- فأر العصر
إني أرى ما لم ير الشقيق=فلي طريق، وله طريق
لأدخلن الدار بعد الدار=وثباً من الرف إلى الكرار
لعلني إن ثبتت أقدامي=ونلت –يا كل المنى- مرامي
آتيكما بما أرى في البيت = من عسل، أو جبنة، أو زيت
فعطفت على الصغير أمه = وأقبلت من وجدها تضمه
تقول: إني –يا قتيل القوت- = أخشى عليك ظلمة البيوت
كان أبوك قد رأى الفلاحا = في أن تكون مثله فلاحا
فاعمل بما أوصي ترح جناني = أو لا، فسر في ذمة الرحمن
فاستضحك الفأر، وهز الكتفا = وقال: من قال بذا قد خرفا
ثم مضى لما عليه صمما =وعاهد الأم على أن تكتما
فكان يأتي كل يوم جمعه =وجبنة في فمه، أو شمعه
حتى مضى الشهر، وجاء الشهر = وعرف اللص، وشاع الأمر
فجاء يوماً أمه مضطربا = فسألته: أين خلي الذنبا؟
فقال: ليس بالفقيد من عجب =في الشهد قد غاص، وفي الشهد ذهب
وجاءها ثانية في خجل =منها يدارى فقد إحدى الأرجل
فقال: رف لم أصبه عالي = صيرني أعرج في المعالي
وكان في الثالثه ابن الفاره = قد أخلف العادة في الزياره
فاشتغل القلب عليه، واشتعل =وسارت الأم له على عجل
فصادفته في الطريق ملقى =قد سحقت منه العظام سحقا
فناحت الأم، وصاحت: واها! =إن المعالي قتلت فتاها!