تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المفارقة في كافوريَّات المتنبي

ـ[محمد سعد]ــــــــ[20 - 04 - 2008, 01:38 م]ـ

يشير مفهوم المفارقة إلى الأسلوب البلاغي الذي يكون فيه المعنى الخفي في تضاد حار مع المعنى الظاهري. وكثيراً ما تحتاج المفارقة وخاصة مفارقة الموقف أوالسياق، إلى كدّ ذهن، وتأمل عميق للوصول إلى التعارض، وكشف دلالات التعارض بين المعنى الظاهر والمعنى الخفي الغائص في أعماق النص وفضاءاته البعيدة. كما أن للمفارقة وظيفة مهمة في الأدب بشكل عام والشعر بشكل خاص، فهي في الشعر تتجاوز الفطنة وشد الانتباه، إلى خلق التوتر الدلالي في القصيدة عبر التضاد في الأشياء، الذي قد لا يأتي فقط من خلال الكلمات المثيرة والمروعة في السياق، بل عبر خلق الإمكانيات البارعة في توظيف مفردات اللغة العادية واليومية داخل

والمفارقة نوعان رئيسيان، هما:

1 - المفارقة اللفظية.

2 - مفارقة الموقف أوالسياق.

ويمكن تحديد المفارقة اللفظية على أنها المفارقة التي يكون فيها المعنى الظاهري واضحاً، ولا يتسم بالغموض وذا قوة دلالية مؤثرة. وكثيراً ما يكون المعنى فيها هجومياً، وخاصة في شعر الهجاء. وهذه المفارقة يتعمدها الشاعر، ويخطط لها، عبر التضاد بين المظهر والمخبر.

أما النوع الثاني من المفارقة، وهومفارقة الموقف أوالحدث، فليس فيه صاحب مفارقة، بل هناك ضحية أومراقب. وبعبارة أخرى تعتمد المفارقة هنا على حس الشاعر الذي يرى به الأشياء والأحداث من حوله، وتصويرها بمنظور المفارقة، ويترك للمراقب (الإنسان) تحليلها واستنباط أبعادها الفلسفية والشعورية، وكشف خيوط تعارضها. ومن هنا تختلف المفارقة اللفظية عن السياقية في أن الأولى تعتمد في كشف حقيقتها أولاً على صاحب المفارقة (الشاعر). أما المفارقة السياقية فإنها تعتمد على المراقب أوالقارئ في استنباط وكشف التعارض بين المعنى الظاهري والخفي.

في المفارقة اللفظية يكون المعنيان الظاهر والباطن في مواجهة مباشرة على خلاف المفارقة السياقية أوالحدث التي تتطلب خفاء وعمقاً في البحث عن طرفي المفارقة داخل بنية القصيدة، وقد تحتاج إلى استنباط وتحليل لمجمل القصيدة أوربطها بسياق خارجي عن القصيدة نفسها، وهذا أكثر أنواع المفارقة.

وكافوريات المتنبي هو الشعر الذي هجا فيه المتنبي كافورًا هجاءا واضحًا لا لبس فيه، وفي هذا الهجاء الكثير من المفارقات التي تتحدث عن فكر الشاعر وشعوره ورؤيته للحياة والأعراف الاجتماعية والتراثية.

قال المتنبي:

من أية الطُرق ِ يأتي نحوك الكرم= أين المحاجم يا كافور والجَلمُ

هذه سخرية شديدة لا ذعة من أصل كافور ومن حياته السابقة التي عاشها قبل أن يتولى حكم مصر وهو بهذا الطرح الساخر بنتكر على كافور معرفته بالكرم، وانقطاع السبل التي توصله اليه والمفارقة هنا، هي بين موقع كافور حاكمًا وبين الأفعال الصادرة عنه ومنها البخل إذ لا يتوقع من حاكم يحكم قطاعًا كبيرا من العرب الذين اشتهروا بهذا الخلق العربي الأصيل واعتزوا به أن لا يجد طريقا واحدة لمعرفته والوصول اليه.

وللموضوع صلة

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير