[القصيدة العربية بين التحرر والجمود]
ـ[نزار جابر]ــــــــ[25 - 02 - 2008, 07:50 ص]ـ
بداية اود ان انوه الى ان هذه المقالة ليست دراسة علمية اكاديمية بقدر ما هي انطباعات وملاحظات، تجمعت لدي حول ما يخص موجة شعر الطلاسم المنسوب الى الفصيلة الحداثية ومن يقف وراءه ويحركه في اطار انسلاخ عن واقع ثقافي اصيل، لا يهدف الى التطوير والتحديث بقدر ما يهدف الى التدمير.
لمن يكتب الشعراء؟ هل يكتبون لأنفسهم؟، ام لخاصة من ذوي الفكر والثقافة؟، ام لشعراء امثالهم؟، ام للناس الآخرين، وهم المساحة الكبرى من المتلقين؟. انه سؤال متعدد الاطراف يبدو محيرا ومعقدا، ذلك ان هناك مذاهب في الاجابة عنه، كون الشعراء وبالذات في العصر الحاضر قد غيروا المعادلة، فأصبح كل يغني على ليلاه، ولكل مآرب وغايات ومسارات، ولغة يحاول من خلالها الوصول الى شط أمان في غمرة معترك يخوضه مع الكلمة والرؤيا.
وفي حقيقة الأمر، لا يهمنا لمن يكتب الشعراء، ذلك انهم في كل مجموعة شعرية او ربما قصيدة ييممون صوب اتجاه ما لغاية ما. لكن ما يهمنا هنا ماذا يكتبون؟، ماذا يحرك اقلامهم؟، وفي أي الفضاءات تسبح رؤاهم؟.
قديما، وحتى عهد قريب كان الشعراء يكتبون وهم احرار، لم يخضعوا لأي شكل من اشكال القيود التي فرضها شعراء اليوم على اقلامهم، او انها فرضت عليهم، فيمموا صوب كل الإتجاهات. كان ثمة قيد واحد يشد الشعراء اليه، هو الانتماء للفكرة، للعقيدة، لاسلوب الحياة التي درجوا عليه، للناس الذين احبوهم، للجماعة الانسانية التي خرجوا من بين ظهرانيها، للثقافة القومية التي تجذرت في ذاكرتهم.
ويومها لم تكن هناك مدارس ولا اتجاهات نقدية او ادبية استوردها البعض بغية زج حرية الابداع واصالته خلف قضبان هذه الحداثة. ويومها لم يستفحل الترف الأدبي بعد حتى يفرز اولياء امور يطفون على سطح الابداع حراسا لنقائه واستمرارية حداثته، محللين محرمين، مانحين تأشيرات مرور لابداع دون آخر، ومبشرين بعهد تنحر فيه رؤاه القومية في مذبح العولمة.
ويوم بشر اول مبشر بالحداثة الشعرية، فهمناها وفهمها كل غيور على ثقافة الوطن على انها تجاوز لراهن الجمود وعدم وقوف وتحجر عند اطلال الماضي والنسج على منواله. ونظرنا اليها على انها انطلاقة الى فضاءات ومدارات نستمطر منها رؤى جديدة لواقع جديد حفاظا على ديمومة العطاء واستمراريته وتجدده، وانها بادىء كل ذي بدء وليدة منظومة التاريخ والتراث والرؤية العربية، تنطلق منها وتعود اليها.
الا ان هذا المنظور القومي للحداثة اغتيل في مهده العربي على ايدي دعاة حداثة اخرى تسري في شرايينها دماء العولمة الثقافية القائمة على "الابدال والاحلال"، ابدال الثقافة القومية موروثها ومعاصرها، واحلال ثقافة السيد الغربي الذي لا يهادن ولا يتعايش الا مع ثقافته هو، وتشكل الثقافات الاخرى مصدر خطر وتهديد له واعاقة لاستكمال مشروعه العولمي الشامل.
وفي عالم الكتابة الشعرية، زحف اعصار الحداثة القادم من اصقاع الشمال الباردة جنوبا الى اجواء القصيدة العربية الحارة، فجمد بحورها، واخرس موسيقاها، واعتقل قوافيها وجردها من حليها، وعراها من تفردها وتميزها وخصوصيتها، وقدمها الى محاكمة سريعة بتهمة الخطابية المباشرة، والارتجالية الانفعالية، والسطحية الفكرية، والتخلف وعدم مسايرة روح العصر. وتمخض "جبل الحداثة " ليلد "فأر قصيدة النثر".
والى عهد قريب كانت وما زالت:القصيدة الحرة" التي على ما يبدو سوف تطيح بها ما يسمى قصيدة النثر، لتنتهي بذلك كل علاقة وصلة دامت تاريخا طويلا بالقصيدة العربية الاصيلة شكلا ومضمونا. اما الشكل فلا بحور ولا قواف ولا اوزان ولا تفعيلات. اما المضمون فهو الآخر اعتمد على لغة ظاهرها عربى، الا ان باطنها غير ذلك، ذلك ان العربية هي لغة الفصاحة والبلاغة.
¥