تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[العرب أم العجم - لأبي حيان التوحيدي]

ـ[رسالة الغفران]ــــــــ[17 - 04 - 2008, 10:29 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على ما انعم وله الشكر على ما أنعم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه المنتجبين الميامين

أما بعد ...

في هذه الصفحة أود أن اذكر ما قاله أبو حيان التوحيدي في كتابه " الامتاع والمؤانسة " عند منادمته الوزير العارض، وزير صمصام الدولة ابن عضد الدولة البويهي. وفي هذه الصفحة يذكر ما قاله المقفع ويرد على الجيهاني ...

قال أبو حيان التوحيدي في الليلة السادسة من منادمته

ثم حضرته (الضمير عائد للوزير) ليلةً أخرى فأول ما فاتح به المجلس أن قال: أتفضل العرب على العجم أم العجم على العرب? قلت: الأمم عند العلماء أربع: الروم، والعرب، وفارس، والهند؛ وثلاث من هؤلاء عجم، وصعبٌ أن يقال: العرب وحدها أفضل من هؤلاء الثلاثة، مع جوامع مآلها، وتفاريق ما عندها. قال: إنما أريد بهذا الفرس. فقلت: قبل أن أحكم بشيء من تلقاء نفسي، أروي كلاماً لابن المقفع، وهو أصيلٌ في الفرس عريق في العجم، مفضل بين أهل الفضل؛ وهو صاحب اليتيمة القائل: تركت أصحاب الرسائل بعد هذا الكتاب في ضحضاح من الكلام. قال: هات على بركة الله وعونه. قلت: قال شبيب بن شبة: إنا لوقوفٌ في عرصة المربد - وهو موقف الأشراف ومجتمع الناس وقد حضر أعيان المصر - إذ طلع ابن المقفع، فما فينا أحد إلا هش له، وارتاح إلى مساءلته، وسررنا بطلعته؛ فقال: ما يقفكم على متون دوابكم في هذا الموضع? فوالله لو بعث الخليفة إلى أهل الأرض يبتغي مثلكم ما أصاب أحداً سواكم، فهل لكم في دار ابن برثن في ظلٍ ممدود، وواقيةٍ من الشمس، واستقبال من الشمال، وترويحٍ للدواب والغلمان، ونتمهد الأرض فإنها خير بساط وأوطؤه، ويسمع بعضنا من بعض فهو أمد للمجلس، وأدر للحديث. فسارعنا إلى ذلك، ونزلنا عن دوابنا في دار ابن برثن نتنسم الشمال، إذ أقبل علينا ابن المقفع، فقال: أي الأمم أعقل? فظننا أنه يريد الفرس، فقلنا: فارس أعقل الأمم، نقصد مقاربته، ونتوخى مصانعته. فقال: كلا، ليس ذلك لها ولا فيها، هم قوم علموا فتعلموا، ومثل لهم فامتثلوا واقتدوا وبدئوا بأمر فصاروا إلى اتباعه، ليس لهم استنباط ولا استخراج. فقلنا له: الروم. فقال: ليس ذلك عندها، بل لهم أبدانٌ وثيقة وهم أصحاب بناء وهندسة، لا يعرفون سواهما، ولا يحسنون غيرهما.

قلنا: فالصين. قال: أصحاب أثاثٍ وصنعة، لا فكر لها ولا روية. قلنا: فالترك. قال: سباع للهراش. قلنا: فالهند. قال: أصحاب وهم ومخرقة وشعبذة وحيلة. قلنا: فالزنج: قال: بهائم هاملة. فرددنا الأمر إليه. قال: العرب.

فتلاحظنا وهمس بعضنا إلى بعض، فغاظه ذلك منا، وامتقع لونه، ثم قال: كأنكم تظنون في مقاربتكم، فوالله لوددت أن الأمر ليس لكم ولا فيكم ولكن كرهت إن فاتني الأمر أن يفوتني الصواب، ولكن لا أدعكم حتى أبين لكم لم قلت ذلك، لأخرج من ظنة المداراة، وتوهم المصانعة؛ إن العرب ليس لها أولٌ تؤمه ولا كتابٌ يدلها، أهل بلد قفر، ووحشةٍ من الإنس، احتاج كل واحد منهم في وحدته إلى فكره ونظره وعقله؛ وعلموا أن معاشهم من نبات الأرض فوسموا كل شيء بسمته، ونسبوه إلى جنسه وعرفوا مصلحة ذلك في رطبه ويابسه، وأوقاته وأزمنته، وما يصلح منه في الشاة والبعير؛ ثم نظروا إلى الزمان واختلافه فجعلوه ربيعياً وصيفياً، وقيظياً وشتوياً؛ ثم علموا أن شربهم من السماء، فوضعوا لذلك الأنواء؛ وعرفوا تغير الزمان فجعلوا له منازله من السنة؛ واحتاجوا إلى الانتشار في الأرض، فجعلوا نجوم السماء أدلةً على أطراف الأرض وأقطارها، فسلكوا بها البلاد؛ وجعلوا بينهم شيئاً ينتهون به عن المنكر، ويرغبهم في الجميل، ويتجنون به على الدناءة ويحضهم على المكارم؛ حتى إن الرجل منهم وهو في فجٍ من الأرض يصف المكارم فما يبقى من نعتها شيئاً، ويسرف في ذم المساوىء فلا يقصر؛ ليس لهم كلام إلا وهم يحاضون به على اصطناع المعروف ثم حفظ الجار وبذل المال وابتناء المحامد، كل واحد منهم يصيب ذلك بعقله، ويستخرجه بفطنته وفكرته فلا يتعلمون ولا يتأدبون، بل نحائز مؤدبة، وعقولٌ عارفة؛ فلذلك قلت لكم: إنهم أعقل الأمم، لصحة الفطرة واعتدال البنية وصواب الفكر وذكاء الفهم. هذا آخر الحديث

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير