تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[خطبة زياد بن أبيه]

ـ[تأبط شعرا]ــــــــ[12 - 03 - 2008, 07:59 م]ـ

نصّ خطبةزياد بن أبيه، ومصادرها.

حين نبحث في أّمّهات الكُتب، نَجِد أنّ هذه الخطبة، -خطبة زياد بن أبيه بالبصرة-، ورَد نصُّها في "الطبري" الجزء السادس، وفي "البيان والتبيين" للجاحظ، وفي "عيون الأخبار" في الجزء الأول، وفي "العِقد الفريد" الجزء الرابع. وتختلف هذه الكتب في رواية نص الخطبة؛ حيث تختلف الألفاظ، ولكن لا تختلف المعاني.

والنص هنا الذي نشرحه من رواية الطبري، وفي كتاب "البيان والتّبيِين"، يقول الجاحظ في إسناد الخطبة: "قال أبو الحسن المدائني -ذَكر ذلك عن مَسلمة بن محارب، وعن أبي بكر الهذلي-، قال: قدِم زياد البصرة والياً لمعاوية بن أبي سفيان، وضمّ إليه خراسان، وسجستان، والفسق بالبصرة كثير فاشٍ ظاهر. قال: فخطب خطبة بتراء، لم يحمد الله فيها. وقال غيرهما: بل قال: "الحمد لله على إفضاله وإحسانه، ونسأله المزيد من نِعمه وإكرامه. اللهم كما زوّدتنا نِعماً، فألهمنا شكراً. أمّا بعد: فإنّ الجهالة الجهلاء، والضلالة العمياء، والفجر الموقِد لأهله النار، الباقي عليهم سعيرها: ما يأتي سفهاؤكم، ويشتمل عليه حُلماؤكم من الأمور العظام؛ ينبُت فيها الصغير، ولا يتحاشى منها الكبير؛ كأن لم تسمعوا بآيِ الله، ولم تقرؤوا كتاب الله، ولم تسمعوا ما أعدّ الله من الثواب الكبير لأهل طاعته، والعذابِ الأليم لأهل معصيته، في الزمن السرمد الذي لا يزول. أتكونون كمن طَرَفت عينَه الدنيا؟ وسَدّت مَسامعَه الشهوات؟ واختارت الفانية على الباقية؟ ولا تَذكرون أنّكم أحدَثتم في الإسلام الحَدث الذي لم تُسبَقوا به، مِن تركِكم هذه المواخير المنصوبة، والضعيفة المسلوبة، في النهار المبصِر، والعَدد غير قليل؟ ألم تكن منكم نُهاة تَمنع الغُواة عن دَلْج الليل، وغارة النهار؟ قرّبتم القرابة، وباعدتم الدِّين. تعتذرون بغير العُذر، وتُغَطّون على المختلِس. كلّ امرئ منكم يذبّ عن سفيه، صَنيعَ من لا يخاف عقاباً، ولا يرجو مَعاداً. ما أنتم بالحُلماء، ولقد اتّبعتم السفهاء، ولم يزل بهم ما ترون من قيامكم دونهم، حتى انتهكوا حَرم الإسلام، ثم أطرَقوا وراءكم كُنوساً في مَكانس الرِّيَب. حرام عليّ الطعام والشراب، حتى أسوِّيها بالأرض هدماً وإحراقاً".

ثم يتابع قوله، ويؤكِّد منهجَه قائلاً -بعد أن أظهر عيوبهم، وأظهر مَثالبهم، وأظهر مخالفاتهم-: "إني رأيت هذا الأمر لا يَصلُح إلاّ بما صلَح به أوّلُه: لين في غير ضعف، وشدّة في غير جَبْرية وعُنف. وإنّي أقسم بالله! لآخذنّ الوليّ بالمَولَى، والمقيمَ بالظاعن، والمقبِلَ بالمدبِر، والصحيح منكم بالسقيم، حتى يَلقى الرجل منكم أخاه فيقول: "أُنجُ سعد! فقد هلك سعيد! "، أو تستقيمَ لي قَناتُكم. إنّ كَذِبة المنبر بَلقاء مشهورة؛ فإذا تعلّقتم عليّ بكِذبة فقد حلّت لكم معصيتي. وقد أحدثتم أحداثاً لم تكن، وقد أحدثنا لكلّ ذنب عقوبة: فمن غرّق قوماً غرّقناه، ومن حرّق على قوم حرّقناه، ومن نَقب بيتاً نقبنا عن قلبه، ومن نبش قبراً دفنّاه حيّاً فيه. فكفُّوا عنّي أيديَكم وألسنتَكم، أكفف يدي وأذاي. لا يَظهر مِن أحد منكم خلاف ما عليه عامّتكم، إلاّ ضربتُ عُنقه. وقد كانت بيني وبين أقوام إِحن، فجعلتُ ذلك دَبَر أذنيّ، وتحت قدَميّ؛ فمن كان منكم مُحسناًَ فليزددْ إحساناً، ومن كان مُسيئاً فليَنزع عن إساءته. إنّي لو علمت أنّ أحدكم قد قتله السّلّ من بغضي، لم أكشف له قناعاً، ولم أهتك له سِتراً، حتى يُبدي لي صفْحتَه؛ فإذا فعل لم أناظره. فاستأنِفوا أموركم، وأعِينوا عليّ أنفسكم؛ فرُبّ مبتئسٍ بقدومنا سيُسرّ، ومسرور بقدومنا سيَبتئس! ".

ثم يوجّه إليهم بعض الحقائق التي تُمثِّل العَلاقة بين الرّاعي والرّعية، وبين الحاكم والمحكومِين، يقول: "أيّها الناس! إنّا أصبحنا لكم ساسة، وعنكم ذادة -أي: مدافعين-. نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا، ونذود عنكم بفَيء الله الذي خوّلنا -أي: عهد إلينا بالحُكم-؛ فلنا عليكم السمع والطاعة فيما أحببْنا، ولكم علينا العدل فيما وُلِّينا. فاستوجِبوا عدْلنا وفيْئنا بمُناصحتكم لنا. واعلموا أنّي مهما قصّرت، فإنّي لا أقصِّر عن ثلاث: لست محتجِباً عن طالب حاجة منكم، ولو أتاني طارقاً بليل، ولا حابساً رزقاً ولا عطاءً عن إبّانه، ولا مجمِّراً لكم بَعثاً -أي: ولست تاركاً الجيش في بلاد الأعداء-. فادْعوا الله بالصلاح لأئمِّتكم؛ فإنّهم ساستكم المؤدِّبون لكم، وكهْفكم الذي إليه تأوُون، ومتى تَصلُحوا يصلُحوا. ولا تُشربوا قلوبكم بُغضَهم، فيشتدّ لذلك غيظُكم، ويطول له حِرمانكم، ولا تدركوا حاجتكم، مع أنّه لو استجيب لكم، لكان شراً لكم. أسأل الله أن يُعين كلاً على كلّ".

ثم يَختم خطبته كما بدأها بمقدّمة عنيفة، قاسية، متوعِّدة، مهدِّدة، فيقول: "وأيْمُ الله! -وأصلها وأيمن الله، اسم يوضع للقَسَم- إنّ لي فيكم لصَرْعَى كثيرة! فلْيحذر كلّ امرئ منكم أن يكون من صَرعاي! ".

مصدر الخطبة تاريخ الطبري

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير