[فليقل شعرا أو ليصمت.]
ـ[د. سليمان خاطر]ــــــــ[11 - 03 - 2008, 02:43 م]ـ
أين ذهب الشعر العربي؟
د. عبد الوهاب الأفندي
awahab40*************
(1)
لا أكاد أقرأ شيئاً من الشعر العربي المعاصر هذه الأيام أو أسعى للاستماع إليه، وإن كان لي حاجة إلى تذكير بالسبب فقد جاءني على شكل ملحق "كتاب في جريدة" الذي وزع مع "القدس العربي" في الشهر الماضي. وقد تناول ذلك العدد الذي حرره الصديق الشاعر أمجد ناصر مع فخري صالح الشعر المعاصر في في الأردن وفلسطين ضمن سلسلة "ديوان الشعر العربي في الربع الأخير من القرن العشرين." وقد فاتني الاطلاع على الأعداد الخمسة السابقة من هذه السلسلة، ولكن قياساً على ما حملته صفحات هذا العدد فإنه لم يفتني الكثير.
(2)
لا شك أن زهدي في متابعة انتاج الشعراء العرب المعاصرين يعتبر تقصيراً من ناحيتي، ولكني على مذهب ذلك الرجل الذي ظل يترقب نعي صاحبه في الصفحة الأولى من الصحيفة، أعتقد أنه لو كانت هناك قصائد متفردة لبلغني خبرها.
(3)
بالنسبة لشخص نصف أمي مثلي بدت كل القصائد التي حفل بها هذا "الديوان" كأنها تنويعات على قصيدة واحدة هي في نهاية الأمر عبارة عن نثر مبهم، فمعظمها تخلو من الموسيقى التي هي عندي روح الشعر. ولو حجبت أسماء الشعراء لما شككت في أن الناظم (أو الناثر إن شئنا الدقة) واحد.
(4)
لا تخلو قلة من القصائد المزعومة من مسحات جمالية تنبع أساساً من كونها محاولات لرسم لوحات سريالية باستخدام الكلمات. ولكنها لم تحرك في داخلي ذلك التجاوب الذي أعهده مع مغناطيسية الشعر.
(5)
لا يعود هذا الجدب لأميتي المتأصلة: أولاً لأن الفنون من شعر ورسم وموسيقى وغيرها تستمد قيمتها من تذوق الجمهور "الأمي". وثانياً لأنني لست غريباً تماماً على عالم الشعر. مازلت أذكر تماماً الزمان والمكان الذي نظمت فيه أول بيت شعر: تحت نافذة فصل السنة الثانية في مدرسة بربر الابتدائية، وكنت في الثامنة من العمر. كان في مدح المدرسة، وكان وزن الشطر الأول يختلف عن الثاني.
(6)
أذكر جيداً كذلك زيارة محمود درويش لنا في جامعة الخرطوم عام 1975 حين قرأ لأول مرة رائعته "تلك صورتها وهذا انتحار العاشق." وقد شهدت تجربتي الشعرية تحولاً جذرياً منذ تلك اللحظة.
(7)
طوال سني الدراسة كان تذوق الشعر (وقرضه أحياناً) يمثل جزءاً محورياً من نشاطنا العام. فقد كنت سكرتير الجمعية الأدبية في المرحلتين الوسطى والثانوية، وويل لأي فريق كان ينافسنا في مسابقات المطارحة الشعرية وقتها. وفي الجامعة كنت أشارك أستاذنا د. كمال شداد الإشراف على منتدي الفلاسفة ولقاءاته الأسبوعية التي كانت تجمع بين النقاش الفلسفي والقراءات الشعرية والأداء الموسيقى من كبار الشعراء والمطربين. وقد قرأت في بعض تلك الجلسات الرائعة بعض قصائدي التي استلهمت درويش.
(8)
في مقدمتهما للديوان ذكر ناصر وصالح أن الشعراء المختارين قد استوحوا بدورهم "شعراء الموجة السبعينية" العرب إضافة إلى استلهام شعراء أجانب مثل لوركا وويتمان وريتسوس وغيرهم. أن تستوحي (حتى لا أقول تقلد) درويش يشبه إلى حد كبير استلهام الرسامين لبيكاسو. لا يكفي أن تقلد الشكل إن لم تكن تلك الروح الدفاقة هناك. ولكن ما يسوق على أنه شعر عربي معاصر هو همهمات تخلو من الروح ومن المعنى معاً. فاستخدام الرمز في اللغة لا يكون له معنى إذا كان الشاعر هو وحده الذي يفهم الرمز. فكما قال فيتكنشتاين فإن اللغة "الخاصة" التي لا يفهمها إلا شخص واحد لا تكون "لغة".
(9)
كنت قد أشرت تعليقاً على دورة قرطبة لجائزة البابطين الشعرية في عام 2005 أن الذي أنقذ الموقف يومها كان الشعراء الأسبان الذين أمتعونا بانتاجهم عبر حاجز اللغة، بينما كانت اللغة المشتركة مع شعرائنا العرب غمة علينا حتى فرحنا عندما تعثرت ترجمة بعض ما قيل إلى الاسبانية خوف الفضيحة.
(10)
أعتقد أن الوقت حان ليقول قائل لفرعون الشعر العربي المعاصر إن ملابسك المتخيلة لا وجود لها، وإنك يا صاحب السمو تخطر بيننا عارياً كيوم ولدتك أمك. فلتذهب سموك إلى قصرك حتى تجد بعض الثياب لزوم الستر. أو فلتستعر ثياباً من بعض المتسولين في الشارع.
(11)
إننا معشر العرب فقراء في أمور كثيرة ومنكوبون بجوائح أقلها في السياسة والحرب والاقتصاد. ولكنا ظللنا دائماً نفخر بأن الشعر هو مملكتنا التي لا ننازع فيها. وآخر ما نحتاج إليه هو نكبة شعرية تحرمنا من آخر ما بقي لنا. فأعيدوا إلينا رحمكم الله الشعر على الأقل. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر (وحتى من لا يؤمن) من المتصدين للنظم، فليقل شعراً أو يتوخى ثواب الصمت الجميل.
ـ[د. سليمان خاطر]ــــــــ[11 - 03 - 2008, 02:48 م]ـ
أيها الفصحاء، هذا مقال لأخينا الدكتور عبد الوهاب الأفندي أستاذ العلوم السياسية في الجامعات البريطانية، يعبر فيه عن رأيه في الشعر العربي المعاصر أو ما يدعى كذلك اليوم، أنقله إليكم من موقع (سودانايل)؛لأرى فيه رأيكم.
¥