تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الخصائص الفنية والأدائية في الخطابة النبوية]

ـ[تأبط شعرا]ــــــــ[12 - 03 - 2008, 07:44 م]ـ

الخصائص الفنِّيّة والأدائيّة في الخطابة النّبويّة.

حين نتساءل عن الخصائص الفنية والأدائية للخطابة النبوية:

نجِد أنّ خطابة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- قضَتْ على كلِّ لوْن قديم من الخطابة الجاهلية لا يتّفق وروح الإسلام، مثل خطابة المناثرات. فقد نهى الإسلام عن التكاثر بالآباء والأنساب والأحزاب. وكذلك تُخالف خطابة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في رُؤاها وفي أفكارها، وفي صياغتها وتراكيبها، الخطابةَ في العصر الجاهلي؛ حيث كان المصطفى -عليه الصلاة والسلام- لا يسجع في خطابته. وكان ينفر منه حين يلجأ إليه أحدُ محدِّثيه كراهية التّشبّه بالقرآن في سجعهم.

الخطابة في العصر الجاهلي لم تكن ذاتَ موضوع محدّد؛ ومن ثَمَّ كانت تأخذ شكل أقوال متناثرة لا رابط بينها. أمّا في العصر الإسلامي فقد أصبح للخطابة موضوع واضح يجول فيه الخطيب ويصول؛ إذ يحدِّث للناس واعظاً، أو يعرض عليهم حدثاً محدّداً من أحداث الإسلام. وكان محمد -صلى الله عليه وسلم- يخطب في العرب على هدي القرآن الكريم، ليخرجهم من ظلمات الوثنية إلى نور الهداية السماوية. وقد أوتي من اللّسَن والفصاحة ما ملَك به أزمّة القلوب، وكأنما كانت المعاني موقوفة بشخوصها بين يديْه ليختار منها ما تهشّ له الأسماع وتُصغي له الأفئدة.

ومن الخصائص الأدبية لخطابة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-:

أنه كان يستعمل جميع فمِه في التّكلّم، ولا يقتصر على تحريك الشفتيْن، كما يقول هند بن أبي هالة، يقول:

يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلّم بجوامع الكلِم.

قد برّأه الله سبحانه رسولَه من عيوب المنطق: العيوب الخِلْقيّة التي لا تتّفق مع جلال الرسالة ومهابة التبليغ، حيث برئ الأداءُ النبوي في منطقه من عيوب النّطق مثل: التمتمة، والفأفأة، وغيرها ...

وبرئ أسلوبه كذلك ونُطْقه من تنافر الحروف، ومن التعقيد والمعاضلة، ومن الغرابة المستكرَهة، ومن الألفاظ الوعرة الوحشيّة في غير قصد أو غرض.

كما برئ مَنطقُ المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في خطابته وأحاديثه من عيوب النطق التي تصدر عن مبالغة وتكلّف، كسْباً لرِضَى المستمعين واستجلابا لثنائهم، مثل: عيب التنطّع والتمطّق والتفيهق، وغيرها من هذه العيوب ...

وتتّسم خطابة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بالدِّقّة والوضوح وعدم المبالغة؛ فالخطبة نسيج متلاحم من الفكر التشريعي الواضح، على هدي التعاليم القرآنية.

ونجد أنّ المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في أسلوبه الخطابي بعيد عن الانفعال الذي ينأى بالخطيب عن دائرة الحقيقة؛ فكلّ ما يتفوّه به في خطابته صدق وجِدّ، وترغيب وترهيب، وإرشاد وتشريع، وهداية وتبشير.

نجِد مقدّمات الخُطب النبويّة تُنبئ عن مقوِّمات الشخصية الإسلامية، في إيمانها بالغيب، وفي توكُّلها على الله. وكذلك يُهيِّئ المصطفى -صلى الله عليه وسلم- الجوّ النّفسي للمستمعين، ويأتي في مقدّمات خُطبه بما يلائم أحوال المستمعين، ويُرغِّبهم ويهيِّئهم للجوّ المناسب لطبيعة الموضوع. ففي أوّل خُطبة خطَبها -عليه السلام-، بعد أن حَمد الله وأثنى عليه، يقول في عبارة موجَزة تُطمْئن النفوس، وتَنزع الجزع من نفوس أهل مكة، وتشدُّهم في صدق وحبّ ويقين إلى اتّباع الإسلام، وإلى حبّ النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((إنّ الرّائدَ لا يَكذِبُ أهلَه)). والرائد هو: المُرسَل في طلَب الكلإ، أي: الذي يُرسله الناس لِيبحث عن الطعام؛ فهو يَصدق أهله ودائما لا يَخدعهم.

وبعد أن يُطمْئن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- القومَ بهذه العبارة الجامعة الدّالّة المُوحية، التي تدلّ وتشير إلى أنه دائماً سيكون صادقاً معهم، ولن يأتيَهم بما يَخدعهم، يقول لقومه أهل مكة، في صيغة القَسَم الذي يُؤكِّد صدْق البشير النذير في دعوته، وفي وفائه بالعهد: ((والله لو كذَبْتُ الناسَ جميعاً ما كَذَبْتُكم! ولو غررْتُ الناس جميعاً ما غررْتُكم! والله الذي لا إله إلاّ هو، إني لَرسولُ الله إليكم خاصّة، وإلى الناس كافّة! والله لتَموتُنّ كما تنامون! ولتبعثُنّ كما تستيقظون! ولَتُحاسبُنّ بما تعملون! ولتُجزَوُنّ بالإحسان إحساناً، وبالسوء سوءاً! وإنها لجنّةٌ أبداً أو لَنارٌ أبداً!)).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير