[قالوا في مكة المكرمة]
ـ[محمد سعد]ــــــــ[26 - 04 - 2008, 10:07 م]ـ
أخذت مكة خصوصيتها الوجودية لا من كونها بقعة جغرافية من البقاع المنتشرة من أرجاء الكرة الأرضية؛ بل للمعنى التاريخي الذي استمدته من قيام البيت العتيق فوق ترابها الذي تطهّر به، وكان بين موطن البيت وبين أبي الأنبياء إبراهيم الخليل تفاعل مستمر وجاذبية وتساوق بين المكان والمعنى.
لقد بدأ التساوق بدعاء إبراهيم عليه السلام إلى ربه، أن يتمَّ على هذه البقعة الطاهرة نعمته بالأمن والسلام والاستقرار لتكون موئل الأفئدة ومهوى جوهر الإنسان.
وجاء قول الله تعالى في كتابه الكريم: وإذ قال إبراهيم ربِّ اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبنيًّ أن نعبد الأصنام" رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم* ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون (1) إذاً؛ مكة المكرمة هي العاصمة الدينية والثقافية والاجتماعية لجميع المسلمين في كل زمان ومكان، وهي مهوى أفئدتهم، كما هي مستقر وحدتهم، ومجمع أخوتهم، "ولحكمة ما، لم تكن مكة المكرمة عاصمة سياسية لأي دولة من دولهم"، لأنها لو كانت كذلك لنسبت إلى سياستها وخصت بهم، ولأن القيمة الإيمانية أكبر وأشمل من القيمة السياسية، فقد ظلت مكة المكرمة عاصمة الإسلام بمعطياته الروحية والوجدانية كلها. إذ تعوّد المسلمون ـ منذ إشراق فجر الرسالة ـ أن يكون الحرم المكّي في موسم الحج موطناً للقاء بين العالم والمتعلم، ومكان التلقي للمعرفة والتفقيه، فقد كان رسول الله خلال حجة الوداع قائماً على التعليم والتثقيف، يُسأل فيجيب، ويتجمع حوله الناس فيبلّغ المعرفة والهداية، "إلا أن تفقيهه ذلك لم يكن ليصل إلى جميع المسلمين، فدعا الناس وهو في الخيف من منى إلى إبلاغ المعرفة وتداولها، والعمل على وصولها إلى الناس كافة، وإن المعرفة أمانة عندهم، عليهم إبلاغها لأيّ مسلم كان، وتلقيها من أيِّ مسلم كان، بشرط الصدق والإخلاص"
ومن هنا فإن مكة المكرمة ـ في موسم الحج وغيره ـ تشكّل ـ ولا تزال ـ صورة مركزة ومختصرة للعالم الإسلامي، وللمسلمين وأحوالهم بصفة عامة في شتى أنحاء العالم.
" فأحوالهم الدينية والفكرية والخلقية والاجتماعية كلها؛ تنعكس في مظاهرهم ومناسكهم ومعاملاتهم وسائر تصرفاتهم، فتعد مكة المكرمة ـ بحق ـ مرآة للمسلمين"
فقد روى الترمذي حديثاً: "قام رسول الله بالخيف من منى، فقال نَضَّر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها، ثم أسلمها إلى من لم يسمعها؛ فرُبَّ حاملِ فقه لا فقه له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه".
ولما انتقل المسلمون إلى عرفات، ألقى فيهم خطبة الوداع، التي تعدّ هي أيضاً، مثلاً للإبلاغ من الرسول المعلم إلى عامة المتلقين من المسلمين الحجيج.
وهكذا ارتبط موسم الحج من بدايات ظهوره ارتباطاً وثيقاً بالتثقيف والتعليم؛ كما ارتبط بتأصيل التعامل الاجتماعي وترتيبه. كل ذلك ينضاف إلى العبادة والسعي إلى التقرب من الله زلفى ونيل خيره وهَدْيةِ ومغفرته.
ودأب المسلمون مع ذلك منذ فجر الدعوة إلى يوم الناس هذا؛ فإذا مكة المكرمة تصبح عاصمة للثقافة الإسلامية
........................
انظر غير مأمور
[1] سورة إبراهيم، الآيات " 35 ـ 37.
([2]) مجلة التاريخ العربي، د؟ محمد السيد علي بلاسي، جامعة الأزهر، العدد (32)، خريف 1425هـ/ 2004م، ص 220.
([3]) المصدر السابق، ص 221.
([4]) مكة المكرمة في الثقافة المغربية، أحمد الرسيوني، المصدر السابق،
([5]) أثر الحج في الحياة الثقافية والاجتماعية عبر العصور، محمد الحبيب الهيلة، المصدر السابق.
ـ[محمد سعد]ــــــــ[26 - 04 - 2008, 10:27 م]ـ
أسماء مكة ودلالاتها:
¥