والإسلام قدّ س رابطة الأمومة، فجعلها ثابتة لا تتعرض للتبدلات والتغيرات، فحرم الزواج من الأمهات. كما بيّن أن رباط الزوجية لا يمكن أن يتحول إلى رباط أمومة أبداً، وشتان بينهما قال سبحانه: " وما جعل أزواجكم اللائي تُظاهرون منهن أمهاتكم"، سورة الأحزاب/ 4، كذلك قوله الحكيم: " الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هُنَّ أمهاتهم. إنْ أمهاتهم إلا اللائي ولَدْنهم "، سورة المجادلة/2.
وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:" الجنة تحت أقدام الأمهات". كذلك فقد حظيت الأم بنصيب وافر في تراث الأمم والأقوام منذ فجر التاريخ وإلى اليوم، ونالت عند العرب حظوة ومكانة منذ بدء الرسالة النبوية حيث أعطيت للمرأة نصيبها من الحياة وجعلها حُرّة ونبذ عادة وأد البنات التي شاعت أيام الجاهلية الأولى. وتغنى الشعراء بالأم عبر العصور الأدبية، كيف لا وهي التي تلد الذكور والإناث، وتسهر على راحتهم، وتعتني بتربيتهم ليصبحوا رجالاً ونساءً في المجتمع.
وردت الأم في اللغة بقول ابن منظور في لسان العرب، من أنّ: الأم والأمة بمعنى: الوالدة؛ وأنشد ابن بري:
تقبلها من أمة ولطالما =تنوزع في الأسواق منها، خمارها
وقال سيبويه لأمك؛ وقال أيضاً:
اضرب الساقين أمك هابل
قال ابن بري: الأصل في الأمهات أن تكون للآدميين، و أمات أن تكون لغير الآدميين، قال: وربما جاء بعكس ذلك كما قال السفاح اليربوعي في الأمهات لغير الآدميين:
قوال معروف وفعاله، =عقار مثنى أمهات الرباع
قال: وقال ذو الرمة:
سوى ما أصاب الذئب منه وسربة =أطافت به من أمهات الجوازل
فاستعمل الأمهات للقطا واستعملها اليربوعي للنوق؛ وقال آخر في الأمهات للقردان:
رمى أمهات القرد لذع من السفا، =وأحصد من قربانه الزهر النضر
الأم في العصور الأدبية
وقفنا في هذا البحث لاختيار الأبيات التي أشار فيها الشعراء العرب عبر العصور المختلفة إلى الأم من عصر قبل الإسلام وإلى العصر الحديث، وذلك من خلال قراءتنا لدواوين الشعر العربي الكبير، آملين أن نكون قد رسمنا صورة للأم الرؤوم الحانية التي تعطي أكثر مما تأخذ، حتى خلدها الشعراء في قوافيهم في ذاكرة الناس من خلال التوقف عند شعراء ما قبل الإسلام، وعند الشعراء المخضرمين، وفي العصر الأموي، والعصر العباسي، وفي شعر العصر الفاطمي، وفي المغرب وبلاد الأندلس، وكذلك في أشعار شعراء العصر الأيوبي، والعصر المملوكي، وعند شعراء العصر العثماني، وأخيراً ختام البحث بذكر نماذج من شعر شعراء العصر الحديث عن الأم.
شعراء قبل الإسلام
أشار شعراء العرب قبل الإسلام إلى الأم في قصائدهم، متخذين صوراً عديدة من حياتها، ومنهم الطفيل الغنوي، وجليلة، وعروة بن الورد، فقال الغنوي:
يقولون لمّا جمعوا العدوّ شملهم =لك الأم منّا في المواطن والأبِ
وقالت جليلة في الأم:
تحملُ العينَ كما تحمل =الأمُ أذى ما تفتلي
أما عروة بن الورد أمير الصعاليك، فقال عن الأم:
فإنّي وإياكم كذي الأم أرهنت =لهُ ماء عينها تفدي وتحمل
الشعراء المخضرمون
ذكر الشعراء المخضرمون الأم في أبياتهم ومنهم العجّاج، وتميم بن أُبي وحسان بن ثابت الأنصاري، فقال العجّاج:
خواديا أهونهنّ الأم
بينما قال تميم بن أُبي عن الأم:
وملجأ مهروئين يلفى به الحَيا =إذا جفلت كُحل هو الأم والأبُ
وقال شعر الرسل صلى الله عليه وسلّم حسان بن ثابت الأنصاري:
جعلتم فخركم فيه لعبدٍ =من الأم مضنْ يطأ عَفْرَ التُرابِ
في الشعر الأموي
تناول شعراء عصر بني أمية الأم في قصائدهم، ونشير إلى عدد منهم مثل: الفرزدق، والكميت الأسدي، والمغيرة بن حنباء، وثابت قطنة، وجرير، وعلي الغنوي، وعمر بن لجأ التميمي، ومعاوية بن أبي سفيان، ومعن المزني. فأنشد شاعر النقائض جرير عن الأم قائلاً:
أغرّ كان البدر تحت ثيابه =كريمٌ إلى الأمِ الكريمة والأب
وقوله أيضاً:
على ابنك وابن الأم ذا أدركتهما =المنايا وقد افنين عاداً وتُبعَا
وكذلك قوله:
حملنا إليها من معاوية التي هي =الأم تغشى كل فرخٍ منقنقِ
وقال الشاعر الكميت بن زيد الأسدي عن الأم:
وكانت من اللا لا يغيرها ابنها =إذا ما الغلام الأحمق الأُم غيرَا
وقوله عنها:
كان الأم أم هذه لمّا =جلوا عنه غطاطة حابلينا
وأما المغيرة بن حنباء فقال في الأم:
¥