تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويبين الدكتور طلعت عفيفي سالم (عميد كلية الدعوة بجامعة الأزهر) أن الأدب بجميع أنواعه يمكن أن يسهم بصورة فعالة في النهوض بالدعوة الإسلامية، ولا أدل على ذلك من عناية الإسلام به، ويضرب الدكتور طلعت بعض الأمثلة على ذلك فيقول "إن من يتأمل القرآن الكريم مثلا ويرى مدى عنايته بالقصة -وهي ضرب من ضروب الأدب- يوقن ما لها من تأثر على النفوس لأنها تتمتع بالقدرة على توصيل المعلومات وتحقيق جملة من الفوائد تتقاصر عنها وسائل أخرى كثيرة، فالإنسان يميل بفطرته ويولع بالقصص حتى إنك لتجده حريصا على متابعة أحداث القصة حتى نهايتها، وهذا الأمر يشترك فيه العامة والخاصة، ولذا كانت القصة دعامة من دعامات الدعوة ووسيلة من وسائلها، وقد احتوت على جانب كبير من توجيهات القرآن الكريم يقارب الربع منه.

وإذا أتينا إلى السيرة النبوية وجدنا مدى عناية النبي صلى الله عليه وسلم بالشعر والنثر – وهما من ضروب الأدب أيضا كما هو معلوم- ألم يستقبل النبي صلى الله عليه وسلم الوفود في المسجد، ويسمح لشعرائهم وخطبائهم بإلقاء ما عندهم من قصائد وخطب، حتى إذا ما انتهوا أمر أصحابه من الشعراء والخطباء بالقيام للرد عليهم، ولولا ما يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم من أثر ذلك في نفوس الناس لما حرص عليه وأولاه تلك العناية حتى إنه ليجعل مكان هذا الاجتماع في المسجد، بل إنه ليقول "اهجوا قريشا فإنه أشد عليهم من رشق النبل .... " رواه مسلم وفي البخاري عن أبي بن كعب رضي الله عنه - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من الشعر حكمة " وهذا كله يعطي دلالة واضحة على أهمية عناية المسلمين بالأدب عموما والشعر خصوصا باعتباره وسيلة من وسائل الدعوة المؤثرة والنافعة.

الشعر والأدب من القوة التي أمر الله بإعدادها!!

ولا يقتصر دور الأدب على كونه وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله جل وعلا، بل إنه يعتبر – وخاصة الشعر- من القوة التي أمر الله بإعدادها والاهتمام بها، بين ذلك الدكتور ناصر بن عبد الرحمن الخنين (عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام) حيث يقول: إنه بتتبع النصوص الشرعية لا يبقى لدى شعراء المسلمين أدنى شائبة في أن ما وهبهم الله من ملكة الشعر يعد في ميزان الإسلام من القوة التي أمرنا معشر المسلمين بإعدادها، وتسخيرها في سبيل الله لإعلاء كلمته والذب عن دينه والدعوة إليه والتغني بمبادئه والتحلي بآدابه والتذكير بأيام الله الخالدة، ومكافحة أعداء الإسلام والنيل منهم جزاء ما نالوه من الإسلام وأهله بأقوالهم المنظومة أو المنثورة "

ويضيف الدكتور الخنين إن على الأدباء المؤمنين أن ينهضوا -وهم إن شاء الله مؤيدون بروح القدس- للتنفيس عن صدور المسلمين بقول الحق في الدفاع عن الإسلام وفي الدعوة إلى الله وغير ذلك مما يحتسبونه عند الله عز وجل، وهذا ونظيره مما ينظم الشعراء المؤمنين في سلك المجاهدين في سبيل الله المنتصرين لدينه، الذائدين عنه بشعرهم كما ذاد عنه غيرهم من المؤمنين بأسلحتهم، وذلك كله من التعاون على البر والتقوى، والجميع في جهاد ومجاهدة، وقد عد بعض العلماء ذلك من قسم الشعر الواجب الذي يثاب فاعله ويعاقب تاركه مع مكنته من ذلك وقدرته عليه وشدة حاجة المسلمين إليه. فقد أشار الشوكاني إلى ذلك حيث قال: "واعلم أن الشعر في نفسه ينقسم إلى أقسام، فقد يبلغ ما لا خير فيه إلى قسم الحرام، وقد يبلغ ما فيه خير منه إلى قسم الواجب"

ولا شك أن جميع فنون الأدب لاحقة بالشعر، وإنما كان التركيز عليه باعتبار أن الشعر هو أساس الأدب وأعظمه.

للأدب أيضا دوره في تثبيت النفوس

ولا يقتصر مبدأ توظيف الأدب في الدعوة إلى الله على كونه دفاعا عن ا لإسلام أو مظهرا لحقيقته، بل إن أثره أيضا يعود على المسلمين أنفسهم في تثبيتهم على الدين وفي مواطن الجهاد، يقول الدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا (الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية رحمه الله): "إن النصوص تومئ إلى حقيقة أخرى هي أن المسلمين كانوا يفزعون إلى هذا الأدب في ساعات الشدة، ويستروحون به في أوقات المحنة، فتقوى به القلوب، وتهتز له المشاعر، فقد روى البخاري في صحيحه أن رجلا سأل البراء رضي الله عنه فقال: يا أبا عمارة أوليتم يوم حنين؟ قال البراء: أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يول يومئذ، كان أبو سفيان بن الحارث آخذا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير