4 - "وكل ما خلقه مما فيه شر جزئي إضافي ففيه من الخير العام والحكمة والرحمة أضعاف ذلك، مثل إرسال موسى إلى فرعون فانه حصل به التكذيب والهلاك لفرعون وقومه وذلك شر بالإضافة إليهم، لكن حصل به من النفع العام للخلق إلى يوم القيامة والاعتبار بقصة فرعون ما هو خير عام فانتفع بذلك أضعاف أضعاف من استضر به وقال تعالى بعد ذكر قصته: ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى)) [سورة النازعات 26].
وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم شقي برسالته طائفة من مشركي العرب وكفار أهل الكتاب وهم الذين كذبوه و أهلكهم الله تعالى بسببه ولكن سَعُد بها أضعاف هؤلاء" ().
ثانياً: والأسباب التي تجعل العبد ينتفع بالآيات الأفقية والنفسية كثيرةٌ مبثوثةٌ في الكتاب والسنة وكلام العلماء الصالحين، ومنها على سبيل المثال مع الإجمال والاختصار:
1) تذكر ما أنعم الله عليه به من النعمة:
فيجب أن يتذكر المؤمن بأس الله، وشدة انتقامه ممن لم يشكر نعمته.
2) تذكر وقائع الله في الأمم السالفة:
3) الصبر والشكر:
قال الله تعالى: ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)) [لقمان:31] فـ (الصبار) الكثير الصبر، فلا بد من الصبر قبل الاعتبار ليكون نافعاً. و (الشكور) الكثير الشكر.
وإنما خص الشكور والصبور بالاعتبار بالآيات وإن كان فيها عبرة للكافة لأنهم هم المنتفعون بها دون غيرهم فلهذا خصهم بالآيات، فكأنها ليست لغيرهم
4) اليقين:
فإنه يورث الانتفاع بالآيات والبراهين (). ونحن نشاهد الإنسان الذي عنده يقين راسخ إذا مر بآية من الآيات الكونية، أو مر بآية من الآيات الأرضية، إذا شاهد مكانا للمعذبين؛ فإنه يرق قلبه، وتتمالكه مشاعر كثيرة لا يستطيع أن يعبر عنها، ولربما دمعت عينه وبكى، فالآيات إنما تؤثر وتحرك نفوس أصحاب اليقين، أما أهل الغفلة، فإنهم لا ينتفعون بها؛
5) الإيمان:
"فالإيمان أكبر ما يكون تأثيرا في الانتفاع بآيات الله عز وجل؛ فكلما تم الإيمان كان انتفاع الإنسان بآيات الله أكثر، وفهمه لها أعظم" (). ولهذا قيد تعالى الانتفاع بالآيات بالمؤمنين، فإن المؤمنين يحملهم ما معهم من الإيمان، على العمل بمقتضياته ولوازمه، التي منها التفكر في آيات الله، والاستنتاج منها ما يراد منها، وما تدل عليه، عقلا وفطرة، وشرعاً" ().
6) النظر إلى ما حوله، ولاسيما ما يحتاجه:
قال تعالى: ((هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) [الأنعام:99] "فهذه من الأشجار الكثيرة النفع، العظيمة الوقع، فلذلك خصصها الله بالذكر بعد أن عم جميع الأشجار والنوابت .. والكل ينتفع به العباد، ويتفكهون، ويقتاتون، ويعتبرون، ولهذا أمر تعالى بالاعتبار به، فقال: چ?چ نظر فكر واعتبار چ? ?چ أي: الأشجار كلها، چ? ? ?چ أي: انظروا إليه، وقت إطلاعه، ووقت نضجه وإيناعه، فإن في ذلك عبرا وآيات، يستدل بها على رحمة الله، وسعة إحسانه وجوده، وكمال اقتداره وعنايته بعباده" ().
7) العقل:
قال الله تعالى: ((لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)) [البقرة:164 والرعد:4 والنحل:12 والروم:24]
"والمراد بقوم يوقنون، وبقوم يعقلون واحد، وهم المؤمنون بتوحيد الله فحصل لهم اليقين وكانوا يعقلون، أي: يعلمون دلالة الآيات. والمعنى: أن المؤمنين والذين يُوقنون: يعلمون ولا يكابرون، والذين يعقلون دلالة الآثار على المؤثر ونظروا النظر الصحيح في شواهد السماوات والأرض فعلموا أن لا بد لها من خالق وأنه واحد فأيقن بذلك العاقل منهم الذي كان متردداً، وازداد إيماناً من كان مؤمناً فصار موقناً.
¥