تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ابن سلام والشك فى الشعر الجاهلى: إِعَادة طَرْح

ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[20 Apr 2009, 08:44 ص]ـ

ابن سلام والشك فى الشعر الجاهلى: إِعَادة طَرْح

د. إبراهيم عوض

فى حدود علمى أن المقدمة التى كتبها ابن سلام لكتابه: "طبقات الشعراء" وتناول فيها النَّحْل فى الشعر الجاهلى هى أول وثيقة مفصَّلة ومؤصِّلة فى هذا الموضوع. ويكاد كل من جاؤوا بعد ابن سلام وتناولوا هذه القضية أن يكونوا عِيَالاً عليه. ولقد كنت أحسب أن الفتنة التى عَلِقَتْ بالشعر الجاهلى مبعثها ما سطرته يد المستشرق البريطانى ديفيد صمويل مرجليوث واحتذاه طه حسين حين وضع كتابه: "فى الشعر الجاهلى". لكنى لما روَّيْتُ فى الأمر وأعدت النظر وعُدْتُ فقرأت ابن سلام من جديد تبين لى أنه هو صاحب هذا كله بما أثار من زوابع شك فى ذلك الشعر دون أن يكون مستندا إلى جدارٍ صُلْب. فقلت فى نفسى: ينبغى أن أعيد طرح القضية من جديد وأنشر على الملإ ما وصلت إليه مما أرى أنه حَرِىٌّ بوضع الأمور فى نصابها. وهأنذا أفعل. ولسوف يكون منهجى تتبع ما قاله ابن سلام عن شعر الجاهلية فى المقدمة المذكورة فقرة فقرة وتقليبه على كل وجوهه وإبداء الرأى فيه.

يقول ابن سلام فى مقدمة كتابه واصفا ما صنعه فيه: "ذكرنا العرب وأشعارها والمشهورين المعروفين من شعرائها وفرسانها وأشرافها وأيامها، إذ كان لا يحاط بشعر قبيلة واحدة من قبائل العرب، وكذلك فرسانها وساداتها وأيامها، فاقتصرنا من ذلك على ما لا يجهله عالم ولا يستغنى عن علمه ناظر فى أمر العرب، فبدأنا بالشعر"، وهو لم يذكر العرب فى هذا الكتاب ولا أتى على ذكر فرسانهم وأشرافهم وأيامهم، ولم يتعرض منهم إلا للشعراء فحسب. اللهم إلا إذا كان يشير إلى كتاب له آخر انتهى منه قبل هذا الكتاب، أو كان جزء من كتابه الذى بين أيدينا قد سقط ولم يصلنا. أما استخدامه لصيغة الماضى فى السطور السالفة فمن الممكن تأويله على أنه كتب تلك الجملة بعد فراغه من تأليف الكتاب كما يفعل الواحد منا الآن، إذ يؤلف الكتاب أولا، ثم يشفعه بالمقدمة فيقول فيها إنه فعل كذا وكذا، وإن كان المفروض حسب ترتيب صفحات الكتاب وأبوابه أنه لم يكن قد فعل شيئا بعد مما قال إنه فعله، بل سيفعله لاحقا.

ثم ينتقل ابن سلام انتقالا فجائيا فيقول: "فبدأنا بالشعر. وفى الشعر مصنوع مفتعل موضوع كثير لا خير فيه، ولا حجة فى عربية، ولا أدب يستفاد ولا معنى يستخرج ولا مثل يضرب ولا مديح رائع ولا هجاء مقذع ولا فخر معجب ولا نسيب مستطرف". وقد كان المظنون أن يقول شيئا يهيّئ به الأذهان لهذه المسألة بدلا من أن يأخذنا بها على حين بغتة، كأن يقول مثلا إن وضع الشعر العربى فى الجاهلية هو كذا وكذا، وإن عدد الشعراء يبلغ كذا، وإن موضوعاتهم هى كذا وكذا، وإن ما يروى لهم من شعر كثير جدا لا يتناسب مع تعداد العرب فى الجاهلية ولا مع مستواهم الحضارى والثقافى ... إلا أننا ننظر فنُلْفِيه قد ألقانا بغتة فى قلب أَتُون الشك فى ذلك الشعر. وبمناسبة الكلام عن الشعر الجاهلى أود أن ألفت الانتباه إلى أنه لم يحدد الشعر الذى يشكو من أن فيه مصنوعا كثيرا لا خير فيه، بل أطلق القول إطلاقا، على حين أنه يقصد الشعر الجاهلى بالذات لا غير، وهذا ما نفهمه جميعا لا يشذّ أحد منا فى ذلك.

كذلك نراه يطلق الرأى فى تلك الأشعار الكثيرة التى وصفها بأنها مصنوعة مفتعلة فقال إنها تخلو من القيمة اللغوية والفنية والمضمونية جميعا، وكأن النحل عنده رديف الركاكة والضعف والتهافت رغم أن من يَغْلُون فى القول بالنحل يقولون إن واضعى الشعر الجاهلى كانوا قوما مشهودا لهم ببراعة النظم حتى إنهم ليقدرون على مساماة الشعراء الأصليين على اختلاف مشاربهم وقبائلهم وبيئاتهم وأعمارهم وظروفهم وموضوعاتهم. فهل ثم قانون يوجب أن يكون الشعر الموضوع هو بالضرورة ضعيفا متهافتا لا قيمة له فنية أومضمونية؟ ثم إنه لم يحاول أن يضع أيدينا على ما يدعيه من ضعف المنحول من الشعر فيبين لنا تطبيقيا صدق تلك الدعوى. ولو كان فعل لكان لكلامه مصداقية يفتقدها الآن! ذلك أن هناك مثلا من يرى أن لامية الشنفرى منحولة، فهل من يستطيع صادقا أن يتهمها بالضعف والركاكة؟ وهناك من يقول إنه لم يصح من قصيدة مالك بن الريب (وليسمح لى القارئ بضرب هذا المثل من الشعر الأموى) إلا ثلاثة عشر بيتا، فيما

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير