تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[مقال " روايات أسباب نزول تحريم الخمر مراجعة نقدية "]

ـ[الغزالي]ــــــــ[19 May 2009, 09:41 ص]ـ

قال كاتب المقال - في مقال تالي لمقال سابق بعنوان أسباب النزول تحريم الخمر نموذجا -:

" أوردنا في المقال السابق جملة من الروايات التي ذكرها المفسرون حول "أسباب نزول آيات تحريم الخمر". وقد حرصنا هناك على إيرادها دون تعليق، منبهين إلى أننا سنعود إليها لإلقاء نظرة فاحصة عليها، الشيء الذي سنفعله هذا المقال. سنبدأ بذكر رواية تستغني عنها جميعاً. فقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: اللهم بَيِّن لنا في الخمر بياناً شافياً فنزل: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا" (البقرة 219). ولما قرئت عليه هذه الآية، فقال: "اللهم بيِّن لنا في الخمر بياناً شافياً(يقصد حكماً واضحاً جازماً، إما بالتحليل وإما بالتحريم)، فنزل قوله تعالى: "يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَقرَبوا الصَلاةَ وَأَنتُم سُكارى" (النساء 43)، ولما قرئت عليه فقال: "اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً"، فنزلت هذه الآية "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ... " (المائدة 90)، فدُعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ القارئ: "فَهَل أَنتُم مُّنتَهونَ قال عمر: انتهينا".

ما يلفت الانتباه في هذه الرواية أنها تجعل الروايات التي أوردناها في المقال السابق غير ذات موضوع. ومع ذلك فهذه الرواية كسابقاتها تقيم تطابقاً زمنياً ومنطقياً بين ما تذكره كـ"أسباب نزول"، وبين الترتيب الذي وردت به الآيات التي تحدثت عن الخمر. ومثل هذا التطابق يثير بعض الشكوك، على الأقل من حيث إن منطق الواقع لا يتماشى دائماً مع منطق العقل. أما إقحام ردود فعل الذين طلبوا السماح لهم بمواصلة شربها في المرة الأولى من أجل النفع الذي فيها، ليطلبوا في المرة الثانية السماح لهم بشربها قبل اقتراب موعد الصلوات، وليثيروا في المرة الثالثة منزلة من مات مؤمناً وكان يشربها قبل تحريمها، ثم قيام بعضهم، في رواية أخرى، بربط جميع مراحل تحريم الخمر بردود فعل عمر بن الخطاب ... أقول إن ذلك التطابق المزعُوم، يشكل اعتداءً على بنية الآيات التي كانت ردود الفعل المذكورة سبباً في نزولها، حسب زعمهم، فضلاً عن تمزيق السياق العام الذي تندرج تحته تلك الآيات.

إن الترتيب الذي وردت عليه تلك الردود لا يستقيم إلا إذا كانت تلك الآيات تنتمي جميعاً إلى "لحظة" واحدة. هذا في حين أن سورة البقرة التي تضم الآية الأولى نزلت ما بين السنة الأولى والثانية. وما ذكروه حول سبب نزول تلك الآية من كونها نزلت بعد الهجرة، وأن السؤال عن حكم الخمر كان نتيجة ملاحظة تفشي شرب الخمر بالمدينة، يوحي بأن تلك الآية نزلت في أوائل الهجرة، في السنة الثالثة على أكبر تقدير. أما سورة النساء التي تضم الآية الثانية (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) فقد نزلت بعد ذلك بسنوات، ما بين الخامسة والسابعة. وأما سورة المائدة فهي من أواخر السور، وهناك من يعتبرها آخر ما نزل. لكن المرجَّح أنها نزلت حوالي السنة الثامنة.

السياق العام يدل على أن آيات تحريم الخمر جزء من كل، وما حكي من روايات كـ"أسباب لنزولها" لا تستقيم معها.

وإذا نحن وضعنا بين قوسين روايات "أسباب النزول" واتجهنا إلى الآيات التي تتعلق بالخمر وسياقاتها فإننا سنلاحظ ما يلي:

1 - وردت الآية الأولى ضمن جملة أسئلة طرحت على النبي عليه الصلاة والسلام بصورة متتابعة وفي سياق واحد فجاء الجواب على كل منها في حينه، وبصيغة "قلْ". قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ، قُلْ ... "، "وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ؟ قُلِ الْعَفْوَ ... "، "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى، قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ... "، "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ، قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ... " (البقرة 222)، يلي ذلك حكم الأيْمان (القسَم) والطلاق والرضاعة ... الخ. وهذه الآيات التي وردت متتابعة تنتمي إلى سياق عام واحد موضوعه التشريع في عدة أمور، يبتدئ من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير