تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[مصدرية القرآن والسنة للمعرفة]

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[09 May 2009, 04:13 م]ـ

"من كتاب مصادر المعرفة للدكتور جمال عبد العزيز شريف والبروفسير عبد الله محمد الأمين النعيم"

-أزمة المعرفة الغربية:

أ-الجذور التاريخية للأزمة:

ظلّت الكنيسة الغربية مهيمنة على كل مجالات الحياة في أوربا وكان أسلوبها في التفكير يتجه اتجاهاً معاكساً للحقيقة والواقع، حيث ظلّ موغلاً في تصور ديني مال إلى تأليه المسيح عيسى (عليه السلام) والقول بعقيدة التثليث والحلولية والتجسيد. ومن الثابت تاريخياً أنّ المجمع المسكوني الذي انعقد في مجمع نيقية عام 325م لم يحترم تصور الوحدانية الذي مثله آريوس وهو تصوٌُر سيدنا عيسى والحواريين الأوائل، فأصدر ذلك المجمع دستوراً ملزماً بشأن مسألة التثليث وصار ذلك عقيدة وأهمّ سر من أسرار المسيحية وقد مارست الكنيسة اضطهاداً للأسلوب العلمي في التفكير حيث احتكرت وحدها مجال التفكير وحرّمت كل تفكير يخالف تقاليد البابوية، وشدّدت من قبضتها بتحالفها مع السلطة السَّياسية " النظام الإقطاعي" وصار كلِ منهما يخدم الأخر، فالكنيسة تقدَّم الأبنية الفكرية التي تحتم على الناس أن يصوغوا وفقها سلوكهم وأساليب تفكيرهم والنظام الإقطاعي العسكري يقدَّم التغطية الأمنية اللازمة لتنفيذ قرارات الكنيسة.

ولقد أدرك المفكرون المناهضون للكنيسة أنّه لا بد من مناهضة هذين النظامين – الكنسي والإقطاعي ولقد تدخلت عوامل عديدة لتوجيه الصراع لصالح هؤلاء المفكرين كان من ضمنها دخول العلوم الإسلامية خلال القرنين "11 - 12م" إلى الدُّول الأوربية وقيام طبقة صناعية مناهضة للإقطاعيين. وكان من ضمن تلك العلوم الإسلامية، العلوم التجريبية القائمة على منهج الاستقراء والملاحظة.

ولقد أثّر دخول منهج البحث التجريبي لأوربا على أساليب التفكير اللاهوتي التي كانت غارقة في التفكير النظري والتجريد الغيبي "الميتافزيقي" وكانت هذه المرحلة التاريخية مرحلة تحوُّل حاسمة امتد أثرها إلى كل الدول الأوربية وشكّل نواة الثورة العلمية الغربية ووجّه العقول تجاه المعرفة العلمية الحقة

ومما سبق يتضح لنا أنّ السَّمة المميزة في تاريخ الفكر الغربي القديم - التي ما زالت آثارها باقية حتى الآن - هي وجود صراع بين العلم والديِّن وقد انتهى هذا الصراع بإقصاء الديِّن والتفكير الدَّيني عن مجالات الحياة وحصره داخل جدران المعابد وطرده من مجال النظر العقلي، وعندما حلّ القرن الثامن عشر كان الفكر الغربي قد قطع أعظم الأشواط في التحرُّر من الفكر الدَّيني حتى أُطلق على هذا القرن عصر التنوير.

ولم يكن يقصد بالتنوير سوى إبعاد الديِّن " الوحي" عن التوجيه، وأهمّ ميزة اختص بها عصر التنوير هي الإيمان بقدرة العقل على فهم الكون واستيعابه وإخضاعه لحاجات الإنسان، ونتج عن هذا مبادئ انطلقت منها النهضة الأوربية وانتهت إليها هي

1 - الإيمان العميق بالعالم الطبيعي على أنّه العالم الوحيد الذي يسعد فيه الإنسان ويجد فيه مطالبه ويلبي حاجياته المادية والرُّوحية.

2 - الإيمان العميق بالإنسان على أنه مركز الثقل في العالم والعامل الفعّال في التطور والإبداع.

3 - الإيمان بالعقل وحده على أنَّه الوسيلة الوحيدة التي تضمن السيطرة على العالم وتسخير إمكاناته بالاعتماد على العلم وحده، فالنظرة المادية إلى الكون والإنسان هي سمة الفكر الغربي، وهي السِّمة التي عملت الفلسفة الوضعية على ترسيخها بطريقة علمية للوصول إلى مشروعية التصورات المادية للعالم.

والإنسان الغربي الذي تشبَّع بهذه المنطلقات الفكرية يجب أن يبحث عن كل شيء في محيطه الاجتماعي؛ قيمه وأخلاقه التي يدين بها، وإنّ الإنسان ملتزم ومقيَّد بقواعد أخلاقه؛ ولكن صانع القيد هو وجوده المادي نفسه. وهكذا كانت ملامح العلمانية في القرن الثامن عشر الميلادي واضحة ومتغلبة على الاتجاهات الكنسية وبدأت تبسط سلطانها على المرافق التي تشغلها الكنيسة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير