تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[التفسير العقدي لجزء عم]

ـ[محبة القرآن]ــــــــ[07 Apr 2009, 07:45 م]ـ

[التفسير العقدي لجزء عم]

سورة (النبأ)

الحلقة (1)

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فهذه السورة العظيمة المُسماة بسورة (النبأ) وتُسمى بسورة (عَمَّ) لها مقاصد يُمكن أن نُلخصها في أمور ثلاثة:

المقصد الأول: تعظيم شأن القرآن.

الثاني: تقرير الإيمان باليوم الآخر.

الثالث: الدعوة إلى التفكر في آيات الله الكونية.

قال تعالى: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5))

استهل الله تعالى هذه السورة بصغية الاستفهام (عَمَّ)؟ وهي اختصار لـ (عن ماذا) , ومعناها: عن أيّ شيء يتساءل المشركون. وقد وردت على صيغة الاستفهام الإنكار، للنعيِ على فعلتهم, فكيف يسوغ أن يتساءلوا، وأن يختلفوا في أمر كهذا!

والنبأ المقصود به: الخبر. وليس أيَّ خبر, بل الخبر الذي استطار واشتهر؛ وهو مأخوذ من النّبْوة, وهي: هي ما علا، وارتفع من الأرض. ثم فخّم الله شأن هذا النبأ, فوصفه بأنه عظيم, والأمر كذلك.

وقد وقع الخلاف بين المفسرين؛ هل المقصود بالنبأ: القرآن، وهو قول مجاهد, أم المقصود بالنبأ: البعث بعد الموت، وهو قول قتادة. ويُعزز القول الأول, أنه وقع الاختلاف منهم في القرآن؛ فتارة يقولون: سحر. وتارة يقولون: كَهانة. وتارة يقولون: شعر. فينطبق عليهم أنهم قد اختلفوا فيه. في حين أن البعث لم يقع فيه اختلاف بينهم؛ لأنهم قد أنكروه جملة وتفصيلاً. إلا أن القول الثاني وهو أن النبأ العظيم هو البعث أليق بسياق السورة؛ فإن سياق السورة كما تقدم، يتعلق بأحوال الآخرة، والجنة، والنار، والفَصْل، والحساب.

ولو ذهبنا نُرجح بين القولين, لكان القول الأول أرجح؛ لأنه أعم, فإن القرآن يدخل فيه أمر البعث, فيكون متضمناً له. ويكون اختلافهم في الواقع، في مفردات هذا الأمر, فهذا أولى بالاختيار. واقتبس الشيخ محمد عبد الله دراز كتابه (النبأ العظيم) من هذه السُّورة.

ثم إن الله عز وجل لمّا ذكر تساؤل المشركين, أجاب عنه إجابةً مجملةً لا تفصيل فيها، فقال: (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3)) , ولم يذكر تفاصيل اختلافهم، والجواب عنهم، بل يعرض عن ذلك. وكأن الأمر من البيان، والوضوح، بمكان لا يستحق أن يُتنازل مع المخالف، ولا يُتحدث معه فيه. ففي هذا الإعراض تفخيم لهذا النبأ العظيم, وترذيل لهؤلاء المنكرين له.

ثم تأتي آيتان فيهما زجرٌ، وقرعٌ لهم: يقول الله تعالى: (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5)). وما أشدَّ وقع هذه الجُمل على القلوب. وكلمة (كلا) أحسن ما يُقال في معناها أي: ليس الأمر كما يزعمون، وما يَدّعون من إنكار البعث، أو الطعن في القرآن. وأتى بالتكرار في قوله: (ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) , للتأكيد. ولم يُبين الله تعالى ماذا سيعلمون, لكنه واضح من السياق، أنهم سيعلمون حقيقة هذا النبأ، وتحققه في الواقع, وذلك حينما يُعاينونه ويبصرونه, يقول الله عز وجل: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ، قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ? ? هَ?ذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَ?نُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} يس: 51 – 52, فهم سيعلمونه حينما يرونه عِياناً بأبصارهم، ويعلمون أن وعد الله حق.

الفوائد المستنبطة من المقطع الأول:

الفائدة الأولى: عظم شأن القرآن، أو البعث، وأنه من أصول الإيمان.

الفائدة الثانية:سَفَه المُنكرين للأمور اليقينية.

الفائدة الثالثة:أن المُخالفين للرسل مختلفون فيما بينهم, فليسوا على قلب واحد, قال الله تعالى: (الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) , وقال سبحانه: {ذَ?لِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ? وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} البقرة: 176, فكل من خالف الحق تجدهم فِرقاً وشِيعاً وأحزاباً؛ لأن الحق واحد لا يتعدد, أما الباطل فشعب وظلمات, ولهذا تجد أن الله تعالى دوماً يُوحد الحق فمن ذلك قوله: {قُلْ هَ?ذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ? عَلَى? بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ? وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} يوسف: 108, فالحق واحد, والسبيل واحدة, والباطل أشلاء.

الفائدة الرابعة: استعمال أسلوب التهديد في الموعظة الإيمانية, وهذه من قوله تعالى: (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5)) , فلا بأس للداعية في بعض المواقف أن يُهدد المدعو بعقاب الله، وبشؤم صنيعه, وأن يُخوفه باليوم الآخر, ويقول له: ويلك. كما قال الله عز وجل: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} الأحقاف: 17

بقلم / د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير