[كلمة للمشتغلين بأبحاث الإعجاز العلمي والتفسير العلمي للقرآن الكريم]
ـ[مرهف]ــــــــ[16 May 2009, 10:00 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
إن قضية الإعجاز القرآني من أهم مباحث علوم القرآن وأدقها وأعظمها، بل إن علوم القرآن لو دققنا الفكرة لوجدناها في النهاية تخدم الإعجاز القرآني، ومن المقرر لدى علماء التفسير أن الأصل في إعجاز القرآن هو الإعجاز البياني والبلاغي، ومنه تتفرع أنواع الإعجاز من إعجاز تشريعي وإعجاز غيبي وإعجاز علمي وغير ذلك مما عدده العلماء في مصنفات علوم القرآن، لأنها من دلالات الإعجاز البياني للقرآن الكريم.
وإن قضية الإعجاز العلمي في عصرنا أخذت شهرة عظيمة ورواجاً واسعاً نظراً لما يتسم به العصر الحديث من تسارع في الاكتشافات العلمية والابتكارات المذهلة، ولعل بعضهم يقوم بذلك لوجود إشارات في القرآن الكريم لما يستجد من علوم ومحاولة آخرين ربط كل جديد بالقرآن ولذلك نجد كثيرين يخوضون فيه ويتسارعون للبحث عن جديد.
وأثناء بحثي عن الجديد في مؤلفات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والتفسير العلمي للقرآن الكريم سواء في المكتبات أو المواقع على الشبكة العنكبوتية ذهلت لكثرة المؤلفات والمقالات المكتوبة في هذه القضية العلمية، ولكن ما أذهلني في هذه المؤلفات أكثر هو ثلاثة أمور:
أحدها: الاختصاص العلمي للمؤلف والكاتب، إذ وجدت أن جُلَّ الكاتبين في الإعجاز العلمي هم من غير المتخصصين بالتفسير وعلوم القرآن أو علوم الشريعة الإسلامية، فهم إما مهندسون أو أطباء أو ما يقارب ذلك من اختصاصات أخرى غير شرعية، والعجيب في هؤلاء المؤلفين أنهم يكتبون فيما يتعلق بتخصصهم العلمي وما لا يتعلق فيه، فتجد كاتباً مهندساً معمارياً أو ميكانيكياً أو محامياً أو طبيباً أو غير ذلك يكتب في خلق الجنين وعلم الفضاء وعلم الفلك والفيزياء و .. الخ، ويستدل على ذلك كله من القرآن، بل إنك تجده بعد حين أصدر موسوعة في الإعجاز العلمي وتصدر الشاشات والإعلام يصوب رأي المفسرين ويخطؤهم ويزاحمهم الأكتاف، فهل يعقل أن يكون متبحراً في كل هذه العلوم وبالأخص علوم القرآن وتأهل للكتابة بهذا الكم وهو لم يفتح كتاباً في أصول التفسير وعلوم القرآن ولم يدرس أصول الاستنباط ناهيك عن دراسة باقي العلوم التي يكتب فيها، فأين احترام التخصص العلمي.
أما الثاني: فهو التكرار لمواضيع "الإعجاز العلمي" واتسم هذا التكرار عند بعضهم بأخذ موضوع من مؤلف سابق ونشره باسمه دون الإشارة لذلك مع إضافات طفيفة في بعض المعلومات التطبيقية وقد لا تكون ثمة إضافات، أو يكون سبب التكرار هو إعادة نشر البحث نفسه من المؤلف نفسه ولكن بعنوان آخر وفي موقع غير الموقع الأول.
أما الثالث: فهو تمييع مصطلح الإعجاز ونقله من سدة التحدي والسبق المضبوط، إلى فوضى العبث العلمي والترهل الفضفاض، إذ صارت كل لائحة في الخيال إعجازاً، وصار كل ما يخطر ببال هؤلاء الكتاب إعجازاً علمياً، حتى تحكم هؤلاء في صياغة هذا المصطلح الشرعي بعيداً عن ضوابط صياغة المصطلحات وقواعدها، ثم يريدون من العلماء أن يسلموا لهم هذه الفوضى العلمية.
ومما يؤسف في هذا المجال قلة الكتاب المتخصصين في علوم القرآن والتفسير في مجال التفسير العلمي والإعجاز العلمي للقرآن الكريم، فعلى سبيل المثال بحثت في موقع معرض الكتاب الدولي في الرياض – على النت - عن مادة "الإعجاز العلمي" فوجدت 116 عنواناً لم يتجاوز عدد المؤلفين في هذا الشأن من المختصين في التفسير وعلوم القرآن عدد أصابع اليد الواحدة.
ثم إنك تجد في الجهة المقابلة آخرين جعلوا من قضية الإعجاز العلمي عدواً لدوداً وبارزوا بالمحاربة كل من يشتغل به، تراه يتكئ على أخطاء من تكلمنا عنهم في البداية ليطعن في هذا اللون من الإعجاز القرآني، وإذا امتدحت بحثاً في الإعجاز العلمي بأنه سليم علمياً ولا يخالف الأصول الشرعية صنفك هؤلاء في قسم "الإعجازيين"، أو المبتدعين أو غير ذلك من الألقاب المتداولة لديهم بكثرة.
والحقيقة أننا نفتقد أحياناً للإنصاف العلمي كما أنه يلزمنا التخلي عن الأحكام المسبقة في القضايا العلمية حتى لا نفقد التوازن العلمي الهادئ في مثل هذه القضايا الحساسة.
¥