تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم قال تعالى: (وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا): فهذه السماء التي لا ترى فيها الآن ثقباً، ولا قدر رأس الإبرة، كما قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ. ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ) [الملك/3، 4] , فإذا بهذه السماء المحكمة، المتماسكة، المبنية، تنشق يوم القيامة، وتنفتح فيها فرج، وطرائق؛ ليهبط منها الملائكة, قال تعالى: (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا) [الفرقان/25]، فتنشق كل سماء، ويهبط ملائكتها، فيحيطون بأهل الأرض إحاطة السوار بالمعصم. ولاحظ في قوله تعالى: (وفتحت)، و (ينفخ)، وما بعدهما، كلها بصيغة الفعل الذي لم يُسمَّ فاعله, وذلك من باب التفخيم والتعظيم.

قال تعالى: (وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا)، فهذه الجبال الذي قال عنها قبل بضع آيات: (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) , هذه الجبال الراسيات، تسيَّر بعد أن كانت تحفظ توازن الأرض، وتضبط استقرارها. والسراب إما أن يكون المراد به الهباء، أو هو تشبيه له بالماء, وليس بماء، كالذي يراه المسافر في شدة الحر، يزول أمامه يظنه ماء, يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً. فهذه الجبال تتراءى لأهل الموقف على هذه الصورة؛ كالسراب. وهذا حال من أحوال الجبال يوم القيامة, ذلك أن الجبال يمر بها يوم القيامة أحوال متعددة؛ منها التسيير، كما في هذه الآية، وفي قوله تعالى: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) [النمل/88] , ويمر بها أيضاً حال الدك، والنسف, قال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا. فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا. لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا) [طه/105 - 107] وقال في آية أخرى: (وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا) [الواقعة/5]، أي: نثرت، ودكت، حتى تصبح كالرماد. فالجبال تعتريها يوم القيامة هذه الأحوال, إلى أن يتحول وجه البسيطة قاعاً صفصفاً, ليس فيه معلم لأحد؛ ليس فيه مرتفع، ولا منخفض، بل تصبح الأرض كالقرصة.

ثم قال الله عز وجل: (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا) جهنم: اسم من أسماء النار, وللنار أسماء كثيرة، وكل اسم من أسمائها يدل على وصف، وحال. ومن أشنع أسمائها (جهنم)، وهي من الجهومة، والسواد. ومعنى (مِرْصَادًا) أي: مكان رصد، وترقب. فهي مترصد لا يجاوزها أهلها حتى يقعوا فيها, والترصد. وذلك أن ما من أحد، إلا ويُعرض على النار, يقول الله عز وجل: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا) [مريم/71] أي: إلا مار فوقها, وذلك حين يؤمر الناس بالجواز على الصراط، وهو من أصعب مواقف يوم القيامة، حتى إن دعاء الرسل في ذلك الموطن: اللهم سلّم، سلّم! فحين يعرض الناس على النار، ويمرون فوقها، يتضح كيف تكون (مِرْصَادًا).

أما أهل النار، الذين هم أهلها، فقد دلت النصوص على أنهم يلقون فيها؛ تجمع أيديهم إلى أعناقهم، ثم يقذفون فيها. وإنما يمر فوق الصراط، الموحدون. فمن سبقت له من الله الحسنى، فإنه يجوزه، دون أن يصيبه شيء. فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح المرسلة، ومنهم من دون ذلك، ومنهم من تخطفه كلاليب على جنبتي الصراط، فتهوي به في النار. فلهذا كانت (مِرْصَادًا)، فهي مرصد للطاغين الذين هم أهلها، وكذلك لمن أراد الله، عز وجل، أن يعاقبه بقدر ذنبه، من عصاة الموحدين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير