42 ـ ينبغي على من آتاه الله من فضله من العلم وغيره، أن يكون أعبد لله من غيره لأن الله تعالى أعطاه من فضله فكان حقه عليه أعظم من حقه على غيره، فكلما عظم الإحسان من الله عزوجل استوجب الشكر أكثر، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم في الليل حتى تتورم قدماه فقيل له في ذلك فقال: (أفلا أكون عبداً شكوراً). ص295.
43 ـ قال تعالى: (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين).
ظاهر الآية الكريمة أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتحداهم بأنه إن كانت الدار الآخرة لهم كما يزعمون فليتمنوا الموت ليصلوا إليها، وهذا لاشك هو ظاهر الآية الكريمة وهو الذي رجحه ابن جرير، وكثير من المفسرين.
وذهب بعض العلماء إلى أن المراد بقوله تعالى: (فتمنوا الموت) أي فباهلونا، وتمنوا الموت لمن هو كاذب منا فتكون هذه مثل قوله تعالى في سورة آل عمران: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) فيكون هذا المعنى:
تمنوا الموت عن طريق المباهلة، ورجح هذا ابن كثير وضعف الأول بأنه لو كان المراد: تمنوا حصول الموت لكانوا يحتجون أيضاً علينا نحن، ويقولون: أنتم أيضاً إن كنتم تقولون: إن الدار الآخرة لكم فتمنوا الموت لأن تحديكم إيانا بذلك ليس بأولى من تحدينا إياكم به، لأنكم أنتم أيضاً تقولون: إن الدار الآخرة لكم، وأن اليهود بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم في النار، فتمنوا الموت أيضاً.
والجواب عن ذلك:
أنا لم ندع أن الدار الآخرة خالصة لنا من دون الناس بل نؤمن بأن الدار الآخرة لكل من آمن وعمل صالحاً سواء كان من هذه الأمة أم من غيرها، وهذا المعنى الذي نحا إليه ابن كثير ـ رحمه الله ـ مخالف لظاهر السياق فلا يعول عليه وقد عرفت الانفكاك منه. ص308.
44 ـ قال الله جل وعلا عن اليهود: (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة).
نكر الله جل وعلا (حياة) ليفيد أنهم حريصون على أي حياة كانت وإن قلت حتى لو لم يأتهم إلا لحظة فهم أحرص الناس عليها. ص309.
45 ـ من غور فهم السلف كراهتهم أن يدعى للإنسان بالبقاء، فإن الإمام أحمد كره أن يقول للإنسان: (أطال الله بقاءك) لأن طول البقاء قد ينفع، وقد يضر إذاً الطريق السليم أن تقول: (أطال الله بقاءك على طاعة الله) أو نحو ذلك. ص312.
46 ـ قال تعالى: (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم).
لا يعارض هذه الآية قوله تعالى: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون).
لأن هذه الآية في صنف معين من النصارى وهم الذين منهم القسيسون والرهبان الذين من صفاتهم أنهم لا يستكبرون، فإذا وجد هذا الصنف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أو بعده انطبقت عليه الآية، لكن اختلف حال النصارى منذ زمن بعيد نسأل الله أن يعيد للمسلمين عزتهم وكرامتهم، حتى يعرفوا حقيقة عداوة النصارى، وغيرهم من أهل الكفر فيعدوا لهم العدة. ص344 ـ 345.
47 ـ قال جل وعلا: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها).
وجه الخيرية كما يقول العلماء أن النسخ إن كان إلى أشد فالخيرية بكثرة الثواب وإن كان إلى أخف فالخيرية بالتسهيل على العباد مع تمام الأجر، وإن كان بالمماثل فالخيرية باستسلام العبد لأحكام الله عزوجل وتمام انقياده لها كما قال تعالى: (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه). ص346 ـ 347.
48 ـ قال تعالى: (بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون).
إن إخلاص النية وحده لا يكفي في تبرير التعبد لله لقوله تعالى: (وهو محسن) وعلى هذا فمن قال: إنه يحب الله، ويخلص له وهو منحرف في عبادته فإنه لا يدخل في هذه الآية لاختلال شرط الإحسان.
ويتفرع على هذه الفائدة أن أهل البدع لا ثواب لهم على بدعهم ـ ولو مع حسن النية ـ لعدم الإحسان الذي هو المتابعة، والأجر مشروط بأمرين: الأول: إسلام الوجه لله والثاني: الإحسان. ص370.
49 ـ النص من الكتاب والسنة إذا كان يحتمل معنيين لا منافاة بينهما، ولا يترجح أحدهما على الآخر فإنه يحمل على المعنيين جميعاً، لأنه أعم في المعنى، وهذا من سعة كلام الله عزوجل، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وشمول معناهما، وهذه قاعدة مهمة ينبغي أن يحتفظ بها الإنسان. ص373.
50 ـ حكم الله سبحانه وتعالى ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
شرعي: مثل قوله تعالى في سورة الممتحنة: (ذلكم حكم الله يحكم بينكم).
كوني: مثل قوله تعالى عن أخي يوسف: (فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين).
جزائي: مثل قوله تعالى: (فالله يحكم بينهم يوم القيامة). والحكم الجزائي هو ثمرة الحكم الشرعي لأنه مبني عليه: إن خيراً فخير وإن شراً فشر. ص375.
51 ـ الحكم يوم القيامة بين الناس إما بالعدل أو بالفضل، ولا يمكن أن يكون بالظلم لقوله تعالى: (وما ربك بظلام للعبيد) وقوله تعالى: (ولا يظلم ربك أحداً) هذا بالنسبة لحقوق الله أما بالنسبة لحقوق الخلق فيما بينهم فيقضى بينهم بالعدل.
فإذا قال قائل: إذا كان الله تعالى يجزي المؤمنين بالفضل، فما الجواب عن قوله تعالى: (ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط)؟
فالجواب: أن هذا هو الذي أوجبه الله على نفسه والفضل زيادة والمقام مقام تحذير. ص376.
هذا ما من الله تعالى به من فوائد من المجلد الأول ويليه بإذن الله فوائد من المجلد الثاني.
¥