فقال له: أجدت. لا يَفْضُضِ الله فاك". و"عن عمرو بن الشريد عن أبيه، قال: استنشدني النبي صلى الله عليه وسلم شعر أمية بن أبي الصلت، فأنشدته. فكلما أنشدته بيتا قال: هيه، حتى أنشدته مائة قافية. قال: كاد ابن أبي الصلت يُسْلِم". وفى "العِقْد الفريد": "قَدِمَ العلاء بن الحَضْرميّ على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: هل تَرْوِي من الشعر شيئا؟ قال: نعم. قال: فأَنْشِدْني. فأنشِده:
تَحَبَّبْ ذَوي الأضغان تَسْبِ نفوسَهم * تَحَبُّبَك القُرْبَى فقد تُرْقَع النَّعَلْ
وإن دَحسوا بالكُرْه فاَعفُ تكرُّمًا* وإن غَيَّبوا عنك الحديثَ فلا تَسَلْ
فإن الذي يُؤْذيك منه سماعُه * وإن الذي قالوا وراءك لم يُقَلْ
فقال النبي عليه السلام: إن من الشِّعر لَحِكْمة. وفى "العمدة" لابن رشيق: "رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تَدَعُ العرب الشعر حتى تَدَع الإبلُ الحنين". وفيه كذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فى حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة: "هؤلاء النفر أشد على قريش من نَضْح النَّبْل. وقال لحسان بن ثابت: اهْجُهم، يعني قريشًا، فوالله لَهِجاؤك عليهم أشد من وقع السهام، في غَلَس الظلام. اُهْجُهم، ومعك جبريل روح القدس. والْقَ أبا بكر يُعَلِّمْك تلك الهَنَات" ...
أما الصحابة فلنأخذ منهم عمر بن الخطاب وابن عباس مثالين: فأما الفاروق فنُلْفِى ابن سلام ذاته يروى عنه ما يلى من أخبار، وكلها تدل على اهتمامه بالشعر والاستماع إليه. وعمر بَعْدُ هو الخليفة، فما بالنا بمن ليسوا خلفاء؟ يقول ابن سلام: "ويُرْوَى أن عمر بن الخطاب قال: أى شعرائكم يقول:
فلستَ بمستبْقٍ أخا لا تلمُّه * إلى شعثٍ. أىّ الرجالِ المهذَّبُ؟
قالوا: النابغة. قال: هو أشعرهم". "عن ابن عباس، قال: قال لى عمر: أَنْشِدْنى لأشعر شعرائكم. قلت: من هو يا أمير المؤمنين؟ قال: زهير. قلت: وكان كذلك؟ قال: كان لا يعاظل بين الكلام ولا يتبع وحشيه، ولا يمدح الرجل إلا بما فيه". "وكان لَبِيد بن ربيعة أبو عقيل فارسا شاعرا شجاعا، وكان عذب المنطق رقيق حواشى الكلام، وكان مسلما رجل صدق. قال: وكتب عمر إلى عاملة أنْ سَلْ لبيدا والأغلب ما أحدثا من الشعر فى الإسلام. فقال الأغلب:
أرَجَزًا سألتَ أم قصيدا * فقد سألتَ هيِّنًا موجودا
... ". "والرابع عبد بنى الحسحاس، وهو حلو الشعر رقيق حواشى الكلام. ذكروا عن عثمان بن عفان أنه أُتِىَ بعبد من عبيد العرب نافذ فأراد شراءه، فقيل له: إنه شاعر. قال: لا حاجة لى به. إن الشاعر لا حريم له. ويقال: إنه عبد بنى الحسحاس، وذلك قبل خلافة عثمان. وأنشد عمرَ بن الخطاب قوله:
عُمَيْرَةَ وَدِّعْ إن تجهزتَ غاديا * كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
فقال: لو قلت شعرك مثل هذا أعطيتك عليه". "قدم ضرار بن الخطاب الفهرى وعبد الله بن الزبعرى المدينة أيام عمر بن الخطاب فأتيا أبا أحمد بن جحش الأسدى، وكان مكفوفا، وكان مألفا يُجْتَمَع إليه ويُتَحَدَّث عنده ويقول الشعر، فقالا له: أتيناك لترسل إلى حسان بن ثابت فنناشده ونذاكره، فإنه كان يقول فى الإسلام، ونقول فى الكفر. فأرسل إليه فجاء، فقال: يا أبا الوليد، أخواك تطرَّبا إليك: ابن الزبعرى وضرار يذاكراك ويناشداك. قال: نعم. إن شئتما بدأت، وإن شئتما فابدءا. قالا: نبدأ. فأنشداه حتى إذا صار كالمرجل يفور قعدا على رواحلهما. فخرج حسان حتى تلقى عمر بن الخطاب وتمثل ببيت ذكره ابن جعدبة لا أذكره، فقال عمر: وما ذاك؟ فأخبره خبرهما. قال: لا جرم لا يفوتانك. فأرسل فى إثرهما فرُدَّا. وقال لحسان: أنشدهما. فأنشد حاجته. قال: أَكْتَفَيْتَ؟ قال: نعم. قال: شأنكما الآن: إن شئتما فارحلا، وإن شئتما فأقيما".
وأما ابن عباس فيكفى أن نعرف أنه، رضى الله عنه، كان ينشد الشعر فى المسجد الحرام ويفسره كما جاء مثلا فى "الجليس الصالح الكافى والأنيس الناصح الشافى" لمعافى بن زكريا: "بينما ابن عباس في المسجد الحرام، وعنده ابن الأزرق وناسٌ من الخوارج يسألونه، إذ أقبل عمر بن أبي ربيعة في ثوبين مصبوغين مورَّدين أو ممصَّرين ... يسير حتى سلَّم وجلس. فأقبل عليه ابن عباس فقال: أنشدْنا. فأنشده:
أَمِنْ آل نُعْمٍ أنت غادٍ فمُبْكِرُ * غداة غدٍ أو رائحٌ فمُهَجِّرُ؟
¥