منهج أراد الله أن يقيم منهج الناس في التفكير على أساسه ليصح تصورهم وتكوينهم الحيوي.
ونحن حين نريد من الإسلام أن يجعل من نفسه نظرية للدراسة نخرج عن طبيعة المنهج الرباني للتكوين ;
وعن طبيعة المنهج الرباني للتفكير. ونخضع الإسلام لطرائق التفكير البشرية!
كأنما المنهج الرباني أدنى من المناهج البشرية!
وكأنما نريد لنرتقي بمنهج الله في التصور والحركة ليوازي مناهج العبيد!
والأمر من هذه الناحية يكون خطيرا. والهزيمة تكون قاتلة!
إن وظيفة المنهج الرباني أن يعطينا - نحن أصحاب الدعوة الإسلامية - منهجا خاصا للتفكير
نبرأ به من رواسب مناهج التفكير الجاهلية السائدة في الأرض ;
والتي تضغط على عقولنا وتترسب في ثقافتنا. .
فإذا نحن أردنا أن نتناول هذا الدين بمنهج تفكير غريب عن طبيعته من مناهج التفكير الجاهلية الغالبة ,
كنا قد أبطلنا وظيفته التي جاء ليؤديها للبشرية ;
وحرمنا أنفسنا فرصة الخلاص من ضغط المنهج الجاهلي السائد في عصرنا ,
وفرصة الخلاص من رواسبه في عقولنا وتكويننا.
والأمر من هذه الناحية كذلك يكون خطيرا , والخسارة تكون قاتلة. .
إن منهج التفكير والحركة في بناء الإسلام ,
لا يقل قيمة ولا ضرورة عن منهج التصور الاعتقادي والنظام الحيوي ; ولا ينفصل عنه كذلك. .
ومهما يخطر لنا أن نقدم ذلك التصور وهذا النظام في صورة تعبيرية ,
فيجب ألا يغيب عن بالنا أن هذا لا ينشى ء "الإسلام" في الأرض في صورة حركة واقعية ,
بل يجب ألا يغيب عن بالنا أنه لن يفيد من تقديمنا الإسلام في هذه الصورة إلا المشتغلون فعلا بحركة إسلامية واقعية.
وأن قصارى ما يفيده هؤلاء من تقديم الإسلام لهم في هذه الصورة
هو أن يتفاعلوا معها بالقدر الذي وصلوا إليه هم فعلا في أثناء الحركة!
ومرة أخرى أكرر أن التصور الاعتقادي يجب أن يتمثل من فوره في تجمع حركي ;
وأن يكون التجمع الحركي في الوقت ذاته تمثيلا صحيحا وترجمة حقيقية للتصور الاعتقادي.
ومرة أخرى أكرر كذلك أن هذا هو المنهج الطبيعي للإسلام الرباني ,
وأنه منهج أعلى وأقوم وأشد فاعلية وأكثر انطباقا على الفطرة البشرية
من منهج صياغة النظريات كاملة مستقلة وتقديمها في الصورة الذهنية الباردة للناس ,
قبل أن يكون هؤلاء الناس مشتغلين بالفعل بحركة واقعية ;
وقبل أن يكونوا هم أنفسهم ترجمة تنمو خطوة خطوة لتمثيل ذلك المفهوم النظري.
وإذا صح هذا في أصل النظرية فهو أصح - بطبيعة الحال –
فيما يختص بتقديم أسس النظام الذي يتمثل فيه التصور الإسلامي ,
أو تقديم التشريعات المفصلة لهذا النظام.
إن الجاهلية التي حولنا كما أنها تضغط على أعصاب بعض المخلصين
من أصحاب الدعوة الإسلامية فتجعلهم يستعجلون خطوات المنهج الإسلامي ,
كذلك هي تتعمد أحيانا أن تحرجهم فتسألهم: أين تفصيلات نظامكم الذي تدعون إليه؟
وماذا أعددتم لتنفيذه من بحوث ومن تفصيلات ومن مشروعات؟
وهي في هذا تتعمد أن تعجلهم عن منهجهم , وأن تجعلهم يتجاوزون مرحلة بناء العقيدة ;
وأن يحولوا منهجهم الرباني عن طبيعته , التي تتبلور فيها النظرية من خلال الحركة ,
ويتحدد فيها النظام من خلال الممارسة ,
وتسن فيها التشريعات في ثنايا مواجهة الحياة الواقعية بمشكلاتها الحقيقية. .
ومن واجب أصحاب الدعوة الإسلامية ألا يستجيبوا للمناورة!
من واجبهم أن يرفضوا إملاء منهج غريب على حركتهم وعلى دينهم!
من واجبهم ألا يستخفهم من لا يوقنون!
ومن واجبهم أن يكشفوا مناورة الإحراج وأن يستعلوا عليها ;
وأن يتحركوا بدينهم وفق منهج هذا الدين في الحركة.
فهذا من أسرار قوته , وهذا هو مصدر قوتهم كذلك.
إن المنهج في الإسلام يساوي الحقيقة ; ولا انفصام بينهما. .
وكل منهج غريب لا يمكن أن يحقق الإسلام في النهاية.
والمناهج الغربية الغريبة يمكن أن تحقق أنظمتها البشرية ; ;
ولكنها لا يمكن أن تحقق نظامنا الرباني. .
فالتزام المنهج ضروري كالتزام العقيدة وكالتزام النظام في كل حركة إسلامية.
لا في الحركة الإسلامية الأولى كما يظن بعض الناس!
هذه هي كلمتي الأخيرة. .
وإنني لأرجو أن أكون بهذا البيان لطبيعة القرآن المكي ,
ولطبيعة المنهج الرباني المتمثل فيه , قد بلغت ;
وأن يعرف أصحاب الدعوة الإسلامية طبيعة منهجهم , ويثقوا به , ويطمئنوا إليه ;
ويعلموا أن ما عندهم خير , وأنهم هم الأعلون. .
(إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم). .
صدق الله العظيم.
(في ظلال القرآن)
مقدمة سورة الأنعام
ـ[خلوصي]ــــــــ[20 Apr 2010, 09:44 ص]ـ
ما أحوجنا إلى تبين طبيعة المنهج القرآني ... فبارك الله فيكم أستاذنا الفاضل.
حديث هام جدا .. و حيوي .. نرجو المتابعة أخي الفاضل .. و المشاركة من الأساتذة و الإخوة الكرام.