من اللغة التي منها تلك الكلمتان، وتلك اللغة هي العربية.
إن مترجم "سفر التكوين" من أصله العربي عجز عن الإتيان بمقابل للطهو والبهو فتركهما على حالهما كما فعل بكلمة التوراة، لجهل أو لقصد.
ما معنى الطهو المذكور في "سفر التكوين"؟: هو "الطحو" من طحاه يطحوه إذا بسطه، "الطحو كالدحو وهو البسط ... وفي التنزيل العزيز (والأرض وما طحاها) ... والقوم يطحو بعضهم بعضا أي يدفع" (2)، ومن البين أن معنى الطحو هناك الحركة والدفع فقد طحا الله الأرض أي حركها ودفعها، وذلك المراد بالبسط، فكل باسط محرك دافع. وأما "البهو" فهو "الواسع من الأرض الذي ليس فيه جبال بين نشزين، وكل هواء أو فجوة فهو عند العرب بهو ... وبهو الصدر جوفه". (3) إذن فالمعنى في الأصل الذي نقلت عنه عبارة التوراة "العبرانية" هو: "وكانت الأرض طحوا وبهوا". يبقى على أصله، ويكون شرحه أن الأرض لم تكن إلا حركة وهواء.
الحجة الثانية: الأسماء المحرفة في "سفر التكوين" محرفة عن العربية، وأول ذلك اسم "حواء" فهو في عبرانية ذلك السفر "حوه". ولا معنى لذلك الجذر في العبرانية، إنما معناه في العربية، وهو هناك محرف عن حواء، وهو اسم على وزن فعلاء، ومذكره "أحوى" المذكورة في الكتاب العزيز. قالوا في معنى الحوة إنها سوداء إلى الخضرة، وقيل: حمرة تضرب إلى السواد، والحوة سمرة الشفة. يقال: رجل أحوى وامرأة حواء. ويبدو من جملة المعاني التي نقلها صاحب اللسان أنها تعود إلى تعيين لون، لكن يظهر أن معنى الجمع والإحراز جامع لمعاني الجذر كلها، وقد ذكر ذلك المعنى في مدخل "حوي" وبيانه أن ما ذكر في معاني الجذر عن الألوان إنما انجر إليه الجذر لدلالته على المتفق المجتمع منها. وعليه فيكون ما جاء منه عن الألوان من باب حذف المعروف كقولنا: "هذا كلام جامع". فالمقصود أنه جامع للمعاني أو للأقسام. وعليه يكون معنى "حواء" أنها جامعة ضامة مشتملة، ولعل الإشارة بذلك إلى الحمل، ويكون معنى "أحوى" المذكورة في الكتاب العزيز أن الغثاء جامع لكل فضائل المرعى الذي أخرج، وتكون الأوصاف بالحوة المذكورة دليلا على معنى اجتماع الألوان في الموصوف بها.
غاية الأمر أن هذا الإسم من أكبر الأدلة على عربية الأصل الذي نقل عنه بالترجمة المحرفة "سفر التكوين" العبراني، ومثله اسم "آدم" الذي حذفت منه صيغة الأفعلية فتحول في "سفر التكوين" إلى "آدم". وأضيف إليه هاء التعريف العبرانية.
إن اسم "آدم" لا معنى له في غير اللسان العربي، فالأدمة هي السمرة، والآدم من الناس الأسمر، وقيل: هو البياض الواضح، والجمع "أدم"، والأنثى، أدماء، وقالوا في جمعه "أدمان". والأدمة أيضا هي القرابة والوسيلة وهي الصداقة والموافقة والألفة. (4)
إن مكانة اسم "آدم" و"حواء" الاشتقاقية واضحة في العربية، وتحريفية "أدم" عن "آدم" واضحة أيضا في المآل العبراني للنص العربي المفقود.
الحجة الثالثة: اسم "هابل" واسم "فين"، فالأول محرف في "سفر التكوين" إلى "هفل". والثاني بقي على حاله، إلا أنه تحرف في الترجمات العربية التي عملت على النص العبري فصار "قابيل"، كما تحرف الإسم الأول إلى "هابيل" في تلك الترجمات، وربما كان الأمر أمر نساخ وسوء خط، والله أعلم. (5)
غاية الأمر أن اسم "هفل" من أدل الأدلة على الأصل العربي الذي نقل عنه "سفر التكوين"، نتذكر أن "آدم" حرف إلى "هأدم" فكذلك نرى في "هفل". إن الهاء هناك تعريف والإسم منقول عنه "آبل". يقال أبل الابل يأبلها ويأبلها. حذف مصلحتها، عمل في هذه الكلمة من التحريف ما أذهب صورتها، ولكن بقي في النص العبري ما يدل على الأصل العربي الذي نقلت منه. أين؟ ذلك قول كاتب "سفر التكوين" عن "هفل" إنه كان راعيا، والحقيقة أن ذلك المعنى مستخرج من اسم "آبل" فهو الراعي راعي الإبل، ويجوز أن تمد إلى راعي غير الإبل على سبيل المجاز. أما فين فقد بقي على حاله ومعناه الصانع، وبالفعل نرى أن المدعو بـ "فين" في "سفر التكوين" فلاح، والفلاح "فين" لأنه يعمل بالحديد، وكل عامل بالحديد فهو "فين" عند العرب. (6)
من أين جاء هذا التطابق بين وظائف ولدي آدم في "سفر التكوين" وبين معنى اسميهما؟
جاء من أن النص مكتوب في الأصل بالعربية، وأن الأسماء المطلقة فيه على الأشخاص عربية ذات معنى في معجمها.
¥