ويقصد بالكتاب ما عند الله عز وجل، والتوراة والإنجيل اللذين نزلا على أهل الكتاب، والقرآن الكريم الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، والكتاب يطلق على كامل الكتاب، وعلى الجزء من الكتاب، ففي الكتاب كتب، ولذلك يسمى كل من التوراة والإنجيل والقرآن الكتاب، وكتب الله كلها محدودة التنزيل، ولتمامها أجل ينتهي فيه نزول كل واحد منها، فمتى بدأ نزوله يستمر النزول حتى يكتمل نزوله؛ وعلى ذلك كان حذف ألف الكتاب.
كما في قوله تعالى: (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة.
وأي كتاب يشار إليه إنما تكون الإشارة إلى كتاب محدود الكلمات والجمل، وإن لم يكن من عند الله سبحانه وتعالى، وعلى ذلك تحذف ألفه؛
كما في قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) البقرة.
وكان إثبات الألف في المواضع الأربعة التالية؛
في قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) الرعد.
فالكتاب مكتوب والأجل ممدود، حتى يتحقق ميعاده الذي ينزل فيه على رسول من رسل الله تعالى، فلا يعرف الكتاب حتى يأتي أجله، وعلى ذلك كان ثبات الألف.
وفي قوله تعالى: (وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4) الحجر.
فكذلك لكل أمة هلكت كتاب لانتهاء أجلها، فيمتد زمنه حتى مجيء موعد إهلاكها؛ فلن تهلك أمة إلا في ميعاد هلاكها، ولا يعرف هذا الكتاب إلا بعد ذلك، وعلى ذلك كان ثبات ألف كتابها.
وفي قوله تعالى: (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27) الكهف.
فلا يتلو النبي عليه الصلاة والسلام تنفيذًا لأمر الله تعالى إلا ما نزل، والتنزيل مستمر وممتد؛ فما بقي لا يدري عنه شيئًا حتى ينزل، والأمر له أن يتلو ما نزل من الكتاب، ويتلو الذي سينزل مع امتداد الأيام المقبلة، وعلى ذلك كان ثبات الألف.
وفي قوله تعالى: (طس تِلْكَ ءَايَتُ الْقُرْءانِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) النمل. وكتاب مبين، وهو القرآن الكريم، وبيانه لم يكتمل بعد، فسورة النمل سور مكية؛ وأكثر البيان كان بعد ذلك؛ أي بعد الهجرة في الفترة المدنية، فهذا الكتاب المبين ما زال نزوله ممتدًا لم ينته بعد؛ وعلى ذلك كان ثبات الألف.
أما قوله تعالى: (يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) المائدة.
فأهل الكتاب هم أهل كتاب قد عرف، وعليه حذف الألف في الموضع الأول والثاني من الآية، أما الموضع الثالث فالمقصود به القرآن، والحديث عن بيان ما سبق معرفته من أهل الكتاب وما كانوا يخفونه؛ وعلى ذلك كان حذف الألف.
أما قوله تعالى: (الر تِلْكَ ءَايَتُ الْكِتَابِ وَقُرْءَانٍ مُبِينٍ (1) الحجر؛
بتقديم الكتاب وتعريفه، وتنكير القرآن، خلاف آية النمل؛ أي أن هذه الآيات هي آيات الكتاب الذي عند الله تعالى، أو آيات الكتاب الذي سيكتمل نزوله عليكم، فهو محدد بذلك، وإن لم يكتمل نزول بعد؛ فسقطت ألف المد فيه لذلك.
والمقصود في "كتاب مبين" في مواضع خمسة أخرى؛ هو اللوح المحفوظ؛
كما في قوله تعالى: (وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75) النمل.
أما من حيث دلالة الألف على التفصيل؛
فلكل رسول كتاب غير كتب بقية الرسل،
ولكل أمة كتاب هلاكها غير كتب من هلك من بقية الأمم،
وفي الأمر في التلاوة تفصيل؛ تلاوة لما نزل، وأمر بالتلاوة لما سينزل،
وفي "النمل" إشارة لما نزل من القرآن وعرف؛ وهو يعد قرآنًا، وما لم ينزل بعد. وما بينه الكتاب هو بعض التبيين، ويكون تمامه بعد تمام التنزيل.
والله تعالى أعلم.