تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الإجابة على أسئلة رفيعة، وهي - وإن أخطأت الإجابة- فإنّ الأسئلة نفسها كانت تستحق القبول والتبرير الكاملين

3 - على الرغم من رفض المنهج العلمي الغربي للمعرفة الدينية والغيبيات وما وراء الطبيعة إلاّ أن الوضعية ظلت غارقة في التأملات الغيبية التي لا تقل خطراً عن خطر الفكر اللاهوتي الذي حاربته، يقول كارل ما نهايم " إنّ الفلسفة الوضعية ألزمت نفسها بأحكام ميتافزيقية وانطلوجية بالرغم من ادعائها بأنها تقف موقفاً معارضاً ضد التحيُّزات والمزاعم الميتافزيقية " حيث أنّها في سعيها لتأكيد نزعتها الواقعية والحسية المفرطة غضّت الطرف عن إدراك حقائق الوجود كما هي. فالوضعية لم تنكر الجانب الوضعي للإنسان ولكنها رفضت الاعتراف بهذا الجانب كحقيقة موجودة مستقلة عن الواقع المادي الذي يمكن ملاحظته. كما أنها لا تنكر القيم الرُّوحية والمعنوية والدينية، ولكنها لا ترى لهذه القيم وجوداً خارج المجتمع الإنساني نفسه، فالعقل الوضعي لا يتصور وجود إله غير الإله الذي يظهر في صورة الإنسانية، وهذه هي النتيجة التي انتهت إليها الوضعية، حيث انتهت إلى معتقدات لا تختلف كثيراً عن المعتقد اللاهوتي بل تتبنى كل خصائصه وأفكاره ومُثله. ولم يشفع للوضعية بعد ذلك تعلُّقها بالعقائدية العلمية في مقابل العقائدية الدينية ما دامت النتيجة التي انتهت إليها واحدة

والآن وقد وضحت لنا معالم الفلسفة الغربية التي تسيَّر الحضارة العالمية اليوم من خلال المدخل المعرفي والذي يتحكم بدوره في كافة مناحي الحياة، فإنّ التساؤل المشروع هو هل هذه الفلسفة جديرة بالاحتذاء خاصة في العالم الإسلامي الذي لا يفتقر إلى العقيدة الموجَّهة له؟، لقد طُبقتِ قيم هذه الفلسفة الوضعية ومقولاتها في العالم الإسلامي فكانت سبباً من أسباب تخلفّه فكيف حدث هذا؟ هذا ما سوف نناقشه في المبحث التالي:

2 - أزمة المعرفة الإسلامية:

أ - المرتكزات المعرفية للتصور الإسلامي:

إنّ التَّصور هو الأساس الذي يقوم عليه البناء في كل عقيدة أو أي مذهب عقدي، وهذا التصور يعكس نظرة العقيدة أو المذهب للوجود كما يعكس النظرة العامة للحياة والإنسان والكون والمصير وتسمى هذه المكونات في الفلسفة بالأسئلة الكلية. أي التساؤلات عن الإله والإنسان والكون وعلاقة كلٍ منها بالآخر وعن المبدأ والمصير. وعند الحديث عن مرتكزات التصور الإسلامي يبرز لنا الآتي

1 - وحدانية الخالق

حيث أنّ وحدانية الله هي محور التصور الإسلامي، والإيمان بالله هو العامل الأهم في توجيه سلوك الإنسان، ووفقاً لهذا التصور فإنّ المسلم يؤمن بالله خالق هذا الوجود ومدبِّره ويعرف اتصافه بالكمال وإطلاق الإرادة والتصرف ? أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ? ويترتب على وحدانية الخالق وحدة الخلق، وأنّ الكون نظام واحد متكامل من صنعة خالق واحد، وأنّ النظام الكوني يتكون من قوانين الطبيعة التي ليست إلاّ سنن الله السارية في خلق الله المادي أو النفسي أو الاجتماعي أو الأخلاقي.

2 - وحدة الحقيقة ووحدة المعرفة

ويترتب على ما سبق أنّ العقل بما أودع الله فيه من قوة مدركة للمعاني والأسباب، "والوحي" الذي أرسل الله به رسله يتكاملان في فهم الغايات والأسباب وعلاقاتهما في هذا الوجود كما فطره الله وسخره ... فالوحي يوجِّه العقل لفهم كليات الكون على حقيقتها التي يعلمها الله ليقوم العقل بدوره في توجيه مدركات الحواس وإضفاء المعنى عليها. وبهذا يقوم في الإسلام نسق المعرفة الواحد لفهم الحقيقة الواحدة التي خلقها الله الواحد. وبهذا يتضح أنّ الوجود قائم على عالمين:

- عالم الغيب وهذا مصدره الوحي ومجال العقل فيه محدود.

- العالم الثاني هو عالم الشهادة وهذا يمكن فهمه عبر العقل. غير أنّ العقل لا بد له من الاستعانة بتوجيهات الوحي، وإلاّ كانت النتيجة هي العلمانية، ذلك أنّ الكون "عالم الشهادة" في التصور الإسلامي مخلوق لله، وخلق من أجل غاية، وقد سخره الله لهذا الإنسان المخلوق المكرم ليعينه على تحقيق العبودية لله، وواجب الإنسان عمارة هذا الكون وعبادة الله. فإذا تعامل العقل مع الكون بعيداً عن هذه الغائية فإنّ النتيجة حتماً هي الإفساد بدلاً عن الإصلاح والإعمار.

وتلخيصاً لمرتكزات التصور الإسلامي نقول الآتي:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير