انفصل التعليم الديني عن التعليم الدنيوي، وأخذ بمنهج التلقي والحفظ من جزئيات تراثنا العظيم وأقوال علمائنا الأجلاء دون أن يكون لهذا التعليم دور في تعريف المتعلمين بمناهج تفكير هؤلاء العلماء وأسس جهودهم؛فأدى ذلك إلى تخريج أجيال من حفظة الجزئيات - التي قد تنسى حال تخرجهم - دون أن يكون لهم دور واضح في التفكير والاجتهاد ومعرفة المناهج العلمية السديدة عند علمائنا الأقدمين.
2 - التعليم الدنيوي:
الحق أنه ليس هنالك من تعليم يسمى بالدنيوي في مقابل آخر يسمي بالديني في الفكر الإسلامي عندنا؛ إذ أن هذا التقسيم ليس بتقسيم منطقي تعضده المسوغات والدواعي، ولكننا نتعامل مع هذا الأمر كأمر واقع قد نشأ من تقليد المناهج الغربية. ومما يزيد الأمر سوءاً أن تعاملنا مع العلم الوافد من الغرب كمقلدين قد أفضى إلى أخذ جزئياته كمسلمات علمية لا تقبل النقاش دون النظر إلى مناهج التفكير فيها من جهة ودون النظر إلى ما ورائها من أطر فلسفية كلية من جهة أخرى.
3 - التبعية للغرب
انتقلت العلوم من الغرب إلى العالم الإسلامي في ظل تبعية شاملة غطت كل المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، ومع نقل الغرب لما هو مفيد نقل معه تراثه الفكري والعلمي بكل ما فيه حيث لم يستثن هو ولا نحن شيئاً؛ فكانت نتائج ذلك ما يأتي:
* أخذ العالم الإسلامي علوماً اجتماعية وإنسانية لم تنبع من ذاته؛ ولم تكن حلاً لمشاكله؛ وإنما كانت صدى لمشكلات الغرب الخاصة التي عمل على ترويج أنها مشكلات عالمية باعتبار أنه مركز العالم؛ ولأجل ذلك لم تنجح هذه العلوم في حل مشكلات العالم الإسلامي من جهة بينما ناقشت قضايا تعتبر جانبية في العالم الإسلامي من جهة أخرى.
* عملت العلوم الاجتماعية على تحقيق الأهداف الاستعمارية وفرض المعايير والأنماط الثقافية الغربية بكافة مناهجها وقيمتها مع خنق الثقافة المحلية المناهضة
* لما لم تكن العلوم الاجتماعية والإنسانية علوماً محايدة - فقد أدى اعتمادها في العالم الإسلامي إلى الجهل بالذات وعدم إدراك الفوارق الذاتية لكل من المجتمعات الإسلامية والغربية.
2 - العوامل الخارجية لإقصاء الوحي:
سبق أن الفكر الغربي قد مرّ بمشكلات معرفية لم يتعرض الفكر الإسلامي لمثلها طوال مسيرته الطويلة عبر التاريخ، ولكن رغم ذلك تبنى العالم الإسلامي تلك العلوم الوافدة من الغرب بكل مشاكلها الخاصة التي تمثلت في الآتي:
(أ) سيادة العلمانية:
سبق أنّ العلمانية وإبعاد الدين قد غلبا في الفكر الغربي على كل ما هو ديني لاهوتي، وربما كان للغرب عذره الموضوعي في ذلك؛ إلا أن العالم الإسلامي ليس له من عذر في إسقاط هذه المشكلة الخاصة على نفسه؛ وذلك لأسباب منها:
• إنّ هذه المشكلة - في الأساس- إنما هي مشكلة خاصة تتعلق بالفكر الغربي في نفسه؛ وليس للفكر الإسلامي بها من شأن إطلاقاً.
• إذا كانت النصرانية التي يدين بها الغرب قد حرفت وبدلت فناقضت معطيات الكون - فإنّ ما سبق من خصائص الوحي التي ذكرناها تؤكد أنّ الوحي الإلهي في الإسلام قد ظل محفوظاً على حاله الذي به نزل من جانب كما أنه لا يناقض معطيات الكون ولا يناهضها؛ بل هو العلم الأكبر الذي يؤيد العلم الحق ويهديه إلي سواء السبيل.
ب- التصور الغربي الضيق للعلم والوجود:
سبق أنّ العالم الإسلامي قد استمد في العصر الحاضر من الغرب علومه ومعارفه بكافة أبعادها رغم ما فيها؛ فأثر ذلك في رؤيتنا للعلم الذي تم تحديد مفهومه وفق أطر فكرية واجتماعية معينة لم يشهدها العالم الإسلامي؛ ولم يكن له من شأن بها، ولأجل ذلك تم استبعاد الوحي عن علومنا المعاصرة كما استبعده الغرب تماماً؛ إذ لم نعد – للأسف - إلا تابعين ومقلدين له في كل شيء حتى ولو دخل جحر ضب - كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - لدخلناه.
ومعلوم – كما سبق – أنّ النظرة العلمانية التي استبعدت الوحي عن مضمار المعرفة قد مرت بأطوار عديدة؛ ثم استقرت على هذه المرحلة الأخيرة التي حددت مفهوم العلم وفق ما تبلور في حلقة "فينا" في الثلاثينات من القرن العشرين، وقد تم ذلك استبعاد الغيبيات التي يحويها الوحي، وتم حصر الحقائق العلمية في جانبين لا تتعداهما إلى سواهما وذلك كالآتي:
¥