وتحدث الباحث المغربي عن كون مقولات رائجة الآن يراد منها صوغ فكر كوني نمطي مثل حوار الحضارات والثقافات وحوار الأديان أو عكسها من أفكار تنذر بالصدام، تطرح على الفكر الإسلامي باعتباره ممثل حضارة وثقافة ودين أن يكون له إسهام فيها وترشيدها وتصويبها للخير والنفع العام، فضلا عن قضايا عاجلة من قبيل البطالة والأمية وحقوق الإنسان ومشكلات البيئة والحروب وغيرها كلها تستدعي اجتهادًا وتجديدًا غير منقطع في الفكر الإسلامي المعاصر بما يحقق راهنيته.
بعد ذلك، تطرق شبار في مداخلته إلى رؤيته لبعض المعالم الرئيسة لمنهاج قرآني بنائي وتجديدي للفكر والعلوم الإسلامية يمكنه إذا ما تم تنزيله جزئيا على مختلف العلوم والمعارف الإسلامية أن يحدث تغييرات جذرية فيها، وهذه المعالم كما حددها المفكر المغربي هي كالتالي: ـ
ـ أن ينطلق هذا المنهاج من مصادر المعرفة في تكاملها (الوحي والعقل والواقع) حيث يتكامل عالم الغيب مع عالم الشهادة وتُقرأ آيات الكون كما تُقرأ آيات النص، فلا يطغى جانب على جانب آخر.
ـ أن يستصحب المنهاج القرآني التجديدي قيم الهداية والرحمة واستشعار مسئولية الاختلاف والتعمير وحمل الأمانة مما يجعل المعرفة المُنتَجة شعارا للهداية والأمن والجدال بالتي هي أحسن.
ـ وأن ينبني المنهاج على خصائص: التوحيدية والعالمية والوسطية والإنسانية والواقعية تنفي عنه الانغلاق والتحيز والغلو والتشدد والإفراط والتفريط والصورية والتجريد.
ـ ثم أن تكون للمنهاج البنائي التجديد محددات مثل ختم النبوة والهيمنة والتصديق والوحدة البنائية للنص حتى لا تتسرب إليه الخرافات والشوائب التاريخية.
* بناء منهج للاستمداد من الوحي:
وارتأى من جانبه الأستاذ عبد السلام الأحمر، عضو الرابطة المحمدية للعلماء، أن ينطلق في محاضرته من أصول المعارف المُستمدة من الوحي التي حددها في سبع نقاط:
ـ معرفة الله تعالى بصفاته العلا وأسمائه الحسنى، وأنه سبحانه لا حد لكلماته، ومعرفة ملائكته المقربين ورسله المصطفين لتبليغ رسالاته للناس.
ـ معرفة علاقة المخلوقات بالخالق، وأنها إما عبودية مفروضة أو عبودية مختارة.
ـ معرفة خصوصيات آدميين باعتبارهم مستخلفين في الأرض، ومسخر لهم ما فيها وما للكون، ومسئولين عن أعمالهم بين يدي الله تعالى يوم القيامة.
ـ معرفة حقيقة الحياة الدنيا باعتبارها مجال استخلاف الإنسان وممارساته للتكليف.
ـ معرفة شرع الله "موضوع المسئولية الإنسانية"، ونهجه المرتضى اعتقادا وعبادة وسلوكا لنيل السعادة في الدنيا والآخرة ..
ـ معرفة جانب الغيب المرتبط بمهمة الاستخلاف وتبعاتها: مثل البعث والحساب والثواب في الجنة والعقاب في جهنم.
ـ معرفة أحكام الشريعة الأصلية واستنباط حكم الله للقضايا المستجدة في واقع الإنسان المتغير على امتداد الزمان والمكان.
ثم بين الأحمر في عرض مداخلته للمحددات الرئيسة لبناء منهج سديد للاستمداد من الوحي متمثلة في:
ـ إخلاص القصد لله والتزام النزاهة العلمية، ذلك أن كل عملية استمداد من الوحي تؤطرها خلفية فكرية وعقدية ومذهبية معينة توجهها في قناعاتها ويدافع عنها وينسجم مع توجهات تلك الخلفية ولا يتعارض معها.
ـ العلم بالعربية وعلوم الوحيين الفقه واستنباط المعاني والحكم والأحكام، والوعي بالتوجهات الفكرية العالمية وأزمة الحضارة المعاصرة.
ـ استخلاص مقاصد الوحي الأساسية باستقراء توجيهاته وأحكامه ومضامينه، لكون المقاصد بكل مراتبها من أهم ما يتعين استحضاره في عملية الاستمداد من القرآن والسنة، ويكون للمقاصد دور حاسم في توجيه نتائج الاستمداد وتقويم المناهج المتبعة فيه.
ـ إدماج المقاصد الأساسية في مقصد أساسي عام، واختبار مدى شمولية هذا المقصد العام وتسديده لعملية الاستمداد بالاحتكام إلى معايير منهجية منها استيعابه لكليات الدين وغاياته الكبرى وامتداد حضوره في جميع توجيهات الشرع وأحكامه التفصيلية، وإثبات قدرته على تيسير فهم نصوص الوحي وطبيعة الحياة وتفسير معضلاتها وحل مشاكلها.
* تحقيق الشهود الحضاري:
أما الدكتور المصطفى الهند، أستاذ الفكر الإسلامي وعضو الرابطة المحمدية للعلماء، فقد أورد بدوره ما يراه مقدمات منهجية رئيسية اعتمدها الفكر المعاصر للإسهام في تحقيق الشهود الحضاري للأمة الإسلامية.
¥