وتعالوا نستشهد على هذين السببين من خلال توجيهات القرآن للحبيب صلى الله عليه وسلم وهو يمر بأحد المواقف الصعبة في حياته.
جاء في الصحيحين من حديث جندب بن سفيان رضي الله عنه قال:
"اشْتَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ يَا مُحَمَّدُ مَا أُرَى شَيْطَانَكَ إِلَّا قَدْ تَرَكَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
{وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}.
وفي هذه السورة بعد أن أقسم الله تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم على نفي زعم المشركين من أن الله تعالى قد تخلى عن رسوله صلى الله عليه وسلم وأكد له أن الآخرة خير له من الأولى وأنه سيعطيه حتى يرضى، ذكَّره بعدها بالنعم السابقة عليه فقال:
(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8))
ثم ذكَّره في سورة الشرح بثلاث نعم أخرى فقال:
(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4))
وهذه دعوة لكل مسلم أن يتلمس ويستشعر الجوانب الإيجابية والمشرقة في حياته، وهذه من أعظم وأنفع الأسباب المعينة على التغلب على مصاعب الحياة ومن أعظم أسباب النجاح والسير إلى الأمام.
ثم إن الله تعالى بعد أن ذكَّر َنبيه صلى الله عليه وسلم بهذه النعم أعطاه بعض التوجيهات فقال:
(فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11))
وكأنه يقول أحسن كما أحسن الله إليك، ونفس عن الآخرين ينفس الله عنك.
واليتم حالة من الضعف والبؤس لا يعرف شدتها إلا من ذاق مرارتها وأول مراحل الإحسان إلى اليتيم أن تكف عنه أذاك.
والحاجة سواء إلى المال أو العلم تدفع إلى السؤال، والسؤال يذهب بماء الوجه ويذل أعناق الرجال فالتلطف بالسائلين أول مراحل الإحسان إليهم.
والحديث عن النعمة من باب الشكر، والشكر سبب لحفظ النعمة ومؤذن بالزيادة قال تعالى:
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) سورة إبراهيم من الآية (7)
سادساً: الدعاء:
من أعظم أسباب جلب النفع ودفع الضر وتسهيل أمور الحياة الدعاء، قال تعالى:
(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) سورة غافر من الآية (60)
ولقد ضرب الله لنا الأمثلة في هذا الباب بالصفوة من خلقه فقال عن نوح عليه السلام:
(وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)) سورة الصافات.
وقال عن أيوب عليه السلام:
(وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)) سورة الأنبياء.
وقال عن يونس عليه السلام:
وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)) سورة الأنبياء.
وقال عن زكريا عليه السلام:
(وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) سورة الأنبياء.
هذا بعض ما فتح الله به من هداية القرآن في مواجهة مصاعب الحياة وملخصه:
أولاً: فهم طبيعة الحياة.
ثانياً: الأخذ بالأسباب المعينة على التوافق مع هذه الحياة ومن ذلك:
أولاً: الإيمان.
ثانياً: التوكل.
ثالثاً: الصبر والصلاة.
رابعاً: تلمس الجوانب الإيجابية في الحياة.
خامساً: العمل الصالح وخاصة في باب الإحسان إلى الغير.
سادساً: الدعاء.
وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبار ك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
كتبه: أخوكم
محب القرآن الكريم
ومن لديه إضافة في هذا الباب فلا يبخل علينا وشكر الله للجميع