كما يتصور بعض المخدوعين حينما يرون اعترافا من باحث أو مستشرق بجانب طيب في هذا الدين! –
كلا!
إنما هم يقومون بهذه الدراسة الجادة العميقة الفاحصة , لأنهم يبحثون عن مقتل لهذا الدين!
لأنهم يبحثون عن منافذه ومساربه إلى الفطرة ليسدوها أو يميعوها!
لأنهم يبحثون عن أسرار قوته ليقاوموه منها!
لأنهم يريدون أن يعرفوا كيف يبني نفسه في النفوس
ليبنوا على غراره التصورات المضادة التي يريدون ملء فراغ الناس بها!
وهم من أجل هذه الأهداف والملابسات كلها يعرفونه كما يعرفون أبناءهم!
ومن واجبنا نحن أن نعرف ذلك. . وأن نعرف معه أننا نحن الأولى بأن نعرف ديننا كما نعرف أباءنا!
إن الواقع التاريخي من خلال أربعة عشر قرنا ينطق بحقيقة واحدة. .
هي هذه الحقيقة التي يقررها القرآن الكريم في هذه الآية: (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم). .
ولكن هذه الحقيقة تتضح في هذه الفترة وتتجلى بصورة خاصة. .
إن البحوث التي تكتب عن الإسلام في هذه الفترة تصدر بمعدل كتاب كل أسبوع ; بلغة من اللغات الأجنبية. .
وتنطق هذه البحوث بمدى معرفة أهل الكتاب بكل صغيرة وكبيرة عن طبيعة هذا الدين وتاريخه ,
ومصادر قوته , ووسائل مقاومته , وطرق إفساد توجيهه!
ومعظمهم - بطبيعة الحال - لا يفصح عن نيته هذه ;
فهم يعلمون أن الهجوم الصريح على هذا الدين كان يثير حماسة الدفاع والمقاومة ;
وأن الحركات التي قامت لطرد الهجوم المسلح على هذا الدين - الممثل في الاستعمار –
إنما كانت ترتكز على قاعدة من الوعي الديني أو على الأقل العاطفة الدينية ;
وأن استمرار الهجوم على الإسلام - ولو في الصورة الفكرية - سيظل يثير حماسة الدفاع والمقاومة!
لذلك يلجأ معظمهم إلى طريقة أخبث. .
يلجأ إلى إزجاء الثناء لهذا الدين , حتى ينوم المشاعر المتوفزة , ويخدر الحماسة المتحفزة ,
وينال ثقة القارى ء واطمئنانه. .
ثم يضع السم في الكأس ويقدمها مترعة. . هذا الدين نعم عظيم. .
ولكنه ينبغي أن يتطور بمفهوماته ويتطور كذلك بتنظيماته ليجاري الحضارة "الإنسانية " الحديثة!
وينبغي ألا يقف موقف المعارضة للتطورات التي وقعت في أوضاع المجتمع , وفي أشكال الحكم , وفي قيم الأخلاق!
وينبغي - في النهاية - أن يتمثل في صورة عقيدة في القلوب ,
ويدع الحياة الواقعية تنظمها نظريات وتجارب وأساليب الحضارة "الإنسانية " الحديثة!
ويقف فقط ليبارك ما تقرره الأرباب الأرضية من هذه التجارب والأساليب. . وبذلك يظل دينا عظيما. .!!!
وفي أثناء عرض مواضع القوة والعمق في هذا الدين - وهي ظاهريا تبدو في صورة الإنصاف الخادع والثناء المخدر –
يقصد المؤلف قومه من أهل الكتاب ; لينبههم إلى خطورة هذا الدين , وإلى أسرار قوته ;
ويسير أمام الأجهزة المدمرة بهذا الضوء الكشاف , ليسددوا ضرباتهم على الهدف.
وليعرفوا هذا الدين كما يعرفون أبناءهم!
إن أسرار هذا القرآن ستظل تتكشف لأصحابه ; جديده دائما ; كلما عاشوا في ظلاله ;
وهم يخوضون معركة العقيدة ; ويتدبرون بوعي أحداث التاريخ ; ويطالعون بوعي أحداث الحاضر.
ويرون بنور الله. الذي يكشف الحق , وينير الطريق. .
(في ظلال القرآن)