تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لذلك عندما نفتقد المعرفة بعلوم اللغة العربية صوتا و معجما و صرفا و تركيبا، مع الانفتاح على اللسانيات الحديثة و مناهج تحليل الخطاب فإننا نكون عاجزين عن فهم أعمالهم، و من ثم فإننا في كثير من الأحيان نتخذ موقفين غير علميين، و مخالفين للموضوعية التي يقتضيها البحث العلمي، ذلك أننا إما أن نكون مستلبين تاريخيا فنمجد التراث و نعلي من شأنه ونعيد إنتاجه من غير فهمه، مما يكون عائقا أما م الإبداع والإضافة العلمية لمجال التخصص، و أننا نورث أجيالا تراثا فهم فهما خاطئا، مما يجعلنا غير قادرين على الإبداع كما بينت سابقا، ويجعل الأخر يتخذ موقفا سلبيا من التراث، خاصة عندما يكتشف هذه الأخطاء المروعة التي ننسبها للتراث ظلما وعدوانا، كما أننا نكون غير قادرين على حمل التراث إلى أبناء عصرنا و التبشير به، لأننا لا نفهمه فلا نستطيع التعبير عنه لإيصاله إليهم بأمانة.

لذلك كنا نرشد الباحثين من ناقدي التراث إلى الرجوع إلى التراث في مظانه، لا أن يتخذوا منه موقفا نتيجة قراءاتنا الخاطئة ـ و يتعين ألآ يحمل الكلام على إطلاقه، فهناك من العلماء الأجلاء الذين فهموا التراث فهما جيدا وورثونا علم الأولين بأمانة علمية و اقتدار منقطع النظير، لأنهم كانوا يملكون العدة العلمية و المنهجية ـ جزاهم الله خيرا ـ.

والموقف الثاني يتمثل في الاستلاب المكاني حيث الحط من التراث، و المغالاة في تقدير الآخر و الرفع من شأنه، مع ضعف المعرفة بالتراث، و عدم التأهيل العلمي والمنهجي لقراءته، فيغطي ـ في الغالب الأعم ـ عن ذلك الهزال المعرفي، و الضعف المنهجي بالهروب إلى الأمام و ركوب موجة اللسانيات و مناهج تحليل الخطاب الحديثة، التي يتباهى بها دون أن يكون متمكنا منها.

الدليل على ذلك أنك تجد خليطا من النظريات و المناهج ركبت بعضها إلى بعض بشكل هجين، و دون تأصيل معرفي ومنهجي، فأغلبهم يسقط هذالنظريات اللسانية و المناهج دون وعي بخلفياتها العقدية، و بمعزل عن سياقها التاريخي والحضاري، ويأخذها من الجانب التطبيقي ليسقطها على تراثنا دون مراعاة خصوصيته، و من هنا نكون أمام إسقاط قلما ينتبه إليه الباحثون وهو الإسقاط المنهجي، فنحن نتحدث عن الإسقاط المعرفي، و نتجاهل الإسقاط المنهجي، و هو مقاربة الظواهر موضوع الدراسة بمناهج و أدوات معرفية غير ملائمة، و من ثم تكون الدراسة غير علمية.

إن ديننا علمنا أن نكون عشاقا للحقيقة، القائمة على البرهان: (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين). ومن هذا المنطلق نقول إن أعمال المفسرين، وعلماء التفسير وعلوم القرآن، وعلماء الأصول، و اللغويين تندرج ضمن اللسانيات و مناهج تحليل الخطاب، الفارق الوحيد بينهما، و هو فارق مهم جدا، خاصة عندما نتحدث عن أعمال المفسرين، أنها ظلت أعمالا تطبيقية و لم ترق إلى مستوى التنظير. و لذلك نحن إلى يومنا هذا لا نتملك نظرية في التفسير متكاملة الجوانب، رغم بعض الأعمال التي قاربت الموضوع من بعض جوانبه، لكنها لم ترق ـ للأسف ـ إلى تكوين نظرية تفسيرية شاملة. في حين أن اللسانيات الحديثة، و مناهج تحليال الخطاب المعاصرة، هي تجاوزت التطبيق إلى التنظير، و كلنا يعرف أن العلم يبدأ تطبيقيا ثم يرقى إلى التنظير، وأن العلم الحقيقي هو التنظير، هذه حقيقة ينبغي الاعتراف بها، ذلك أن مسيرة التفسير لم يكتب لها التطور الذي عرفه الفقه حيث ارتقينا إلى أصول الفقه: منهج الفقيه في استنباط الأحكام.أما التفسير فقد ظلت أعمال المفسرين تطبيقية و لم يكتب لها الارتقاء إلى مستوى التنظير، لنبدع نظرية شاملة في التفسير، يمكننا الاصطلاح عليها بالمذهبية الإسلامية في التفسير، و قد حاولت و حاول غيري فعل ذلك بطريقة جزئية ـ حسب ما أعرف ـ و الله أعلم.

مما سبق يتبين أننا في حاجة إلى اللسانيات و مناهج تحليل الخطاب في المرحلة الحالية لفهم التراث التفسيري، و ليس كما يدعي البعض الإتيان بالجديد، إذ لا يمكننا أن نبد ع بمعنى الإضافة العلمية إلى مجال التفسير، و نحن لم نفهم بعد هذا التراث التفسيري، ولم نستوعبه، و لم نستبطنه، فكيف يمكننا الإتيان بلجديد، إنه ادعاء عار من الصحة، و مجاف للواقع.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير