تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كما أحب أن أبين أننا في المغرب ـ ولله الحمد و المنة ـ لدينا من الرجال من لهم بعد نظر، ورؤية مستقبلية، و لذلك فإنهم يسبقون زمانهم، و لكننا نتيجة عبقريتهم ونبوغهم لا نستطيع مجاراتهم، و بالتالي نتجاهلهم أو ننساهم، رغم أنهم أكبر من أن نتجاهلهم أو ننساهم، فالله تعالى صان أقدارهم.

إنني أشيد برجل عمل بصبر وثبات و عزيمة، وصدق و إخلاص، ونصح لله ورسوله وعامة المسلمين و خاصتهم، إنه الأستاذ الدكتور محمد بلبشير الحسني ـ حفظه الله ـ مؤسس شعبة الدراسات الإسلامية بالجامعات المغربية سنة 1980م /1401هـ، الذي حاول المزاوجة في هذه الشعبة بين العلوم الشرعية والعلوم اللغوية والعلوم الإنسانية، وهذا في اعتقادي هو ما نحتاج إلى الاستفادة منه و تطويره في جامعاتنا الإسلامية، لا أن نضيف وحدة تتعلق بالخطاب القرآني، لأن الأمر يتعلق بمسار تكويني، لا بوحدة أو مجزوءة. لأننا اليوم أمام صنفين من الباحثين:

1 - باحثون متمكنون من العلوم الشرعية، و لكن صلتهم مقطوعة أو ضعيفة بالعلوم اللغوية، والعلوم الإنسانية، ومناهج تحليل الخطاب واللسانيات.

2 - باحثون متمكنون من العلوم الإنسانية و اللسانيات و مناهج تحليل الخطاب، و لكن معرفتهم باللغة العربية و علومها معدومة أو ضعيفة.

و هذا هو ما يؤجج الصراع بيننا لأننا نتكلم بمنهجين و بمعرفتين مختلفتين، نحن في حاجة إلى جيل من الباحثين متمكن من العلوم الشرعية، و اللغة العربية و علومها، والعلوم الإنسانية، و اللسانيات و مناهج تحليل الخطاب، إن هذا التمكن المزدوج هو الذي يمكننا من الخروج من النفق الذي نحن فيه.

وإلى أن نصل إلى تكوين مثل هؤلاء الباحثين يمكننا أن نعمل في إطار فريق عمل مختلف التخصصات، متكامل من حيث التصور و المنهج، و الأهداف.

فتحية عطرة لأستاذنا الكبير الدكتور محمد بلبشير الحسني ـ حفظه الله ـ، ومتعه بالصحة والعافية، وجزاه الله عنا كل خير. فأياديه البيضاء نذكرها ما حيينا، وإن تنكر له القوم اليوم، فما عند الله خير و أبقى.

و لعل عمل الأستاذة الدكتورة خديجة إيكر يبين صدق ما ألمحنا إليه، حيث جمعت الأستاذة المحترمة بين المعرفة المؤصلة باللغة العربية وعلومها، واللسانيات ومناهج تحليل الخطاب، كما اتصلت بعلوم القرآن و التفسير، دراسة و تدريسا، مما يجعل إسهاماتها في مجال توظيف اللسانيات و مناهج تحليل الخطاب في دراسة الخطاب القرآني، خطوة مهمة نحو تأصيل لسانيات الخطاب القرآني.

لسانيات الخطاب القرآني: الاتساق و الانسجام.

أطروحة البحث: تنتظم القرآن الكريم وحدة نسقية يتطلب الكشف عنها البحث في الأبعاد القرآنية التالية:

1. البعد المعرفي: ويتضمن المبادئ العقدية التي تشكل مرجعية الإنسان المسلم في الوجود، فتحدد علاقته بالله تعالى، وبأخيه الإنسان وبالكون من حوله، كما يتضمن العبادات والمعاملات، والأخلاق والسلوك.

2. البعد اللغوي: إن القرآن الكريم عمل على صياغة مبادئه وتعاليمه الربانية صياغة لغوية عربية، و قد نص على ذلك أحد عشر مرة في القرآن الكريم.

وانطلاقا من هذين البعدين يمكننا القول إن القرآن الكريم عربي اللسان، عالمي الثقافة انطلاقا من قوله تعالى: (بلسان عربي مبين).

3. البعد التواصلي: عمل القرآن الكريم على ابتكار أساليب تواصلية فعالة، حيث نجده ينوع هذه الأساليب بحسب المقام والسياق، مما يجعله يتجاوب مع النفس البشرية في أبعادها المختلفة والمتنوعة، فمرة يخاطب فيه العقل، ويرشده إلى إعمال الفكر والنظر، والتفكر في الخلق، واستنباط السنن الكونية، ومرة يخاطب فيه الروح بأشواقها وتطلعاتها، وآمالها وآلامها. ومرة يرشده إلى الاستدلال المنطقي، و مرة يفتح عينيه على البديهيات. ويستعمل أسلوب الترغيب والترهيب، والقصة والمثل. مما جعل من القرآن الكريم منظومة تواصلية بالغة التأثير في المتلقي.

4. البعد الجمالي: لقد صيغ البناء المعرفي القرآني صياغة لغوية توفرت لها مقومات الجمال، وذلك بمراعاة القرآن الكريم التناسب بين أبعاده الأربعة بحيث لا يطغى بعضها على بعض، وإنما جعل بعضها يكمل الآخر، إنه البناء القرآني المتميز بالجلال والجمال.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير