تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

11 - عندما يتحدث الخطاب القرآني عن أمر فيه شدة وقوة، أو بعضه أشد من الآخر، فإن الأمر الشديد أو الأشد يأتي بصيغة التذكير. وهناك أبعاد تداولية تتمثل في المقاصد التربوية، هي التي تحدد الصيغة المناسبة من حيث التذكير والتأنيث. مما يبين أن القرآن الكريم لم يتقيد بالقواعد الصرفية والتركيبية في المطابقة من حيث التذكير والتأنيث، وإنما سلك نهجا مقاصديا، يهدف إلى التبليغ والبيان والإقناع، وحمل المتلقي على التجاوب مع الخطاب القرآني، وهذا عنصر مهم يمثل جانبا من جوانب تميز القرآن الكريم وفرادته، والمتمثل في موافقة النموذج العربي وخرقه في الآن نفسه.

12 - إن المدخل لتدبر القرآن الكريم هو البنية التركيبية، فالقرآن الكريم يحتمل من المعاني بقدر ما يحتمل من المباني، ولذلك اتجهت عناية المفسرين إلى تحديد الإعرابات الممكنة للآيات القرآنية، لأنهم بصنيعهم ذلك يقيدون المعاني المطلقة للقرآن الكريم بطريقة علمية وموضوعية. ويشكل المستوى التركيبي عاملا مهما من عوامل تماسك الخطاب القرآني، فالعلاقات التركبية هي وشائج شكلية ناظمة لكل مكونات الخطاب القرآني من جهة، ومحددة معانيه من جهة أخرى، باعتبار المعنى الأساس يكمن في البنية التركيبية العميقة، التي يمكن الوصول إليها عن طريق دراسة البنية السطحية وما طرأ عليها من تحويلات، حيث الانتقال من المستوى الوصفي إلى المستوى التأويلي، بغية فهم الخطاب القرآني، واكتشاف آليات اتساقه وانسجامه. وقد استعمل المفسرون هذه التقنية منذ التفاسير الأولى لتحديد مراد الله تعالى من الخطاب القرآني من جهة، ولإدراك مظاهر الإعجاز في القرآن الكريم من جهة أخرى.

13 - إن الظاهرة القرآنية ظاهرة مركبة لا تجد تأويلها في التعليلات الأحادية الجانب، مما يتطلب اللجوء إلى نظرة شمولية تستحضر كل العوامل الفاعلة في اتساق الخطاب القرآني وانسجامه، بحيث يشكل منظومة متكاملة، حيث تتماسك الآيات والسور القرآنية بروابط لغوية، وموضوعية، ودلالية.

وقبل أن أختم تقريري هذا أحب أن أشير إلى أنني اقتصرت في بحثي هذا على دراسة ثلاثة مستويات من مستويات التحليل اللغوي متمثلة في الأصوات والصرف والتركيب، باعتبارها الأساس في الدرس اللغوي الذي يفضي إلى المستويات الأعلى كالدلالة والأسلوب والتداول، فضلا عن أن اللغة عندما تشتغل فإنها توظف كل المستويات اللغوية، وذلك هو ما حاولت رصده وتتبعه في سعي حثيث لفهم الظواهر اللغوية القرآنية فهما جيدا، مع المحافظة على انسجام الدراسة واتساقها.

كما أنني ركزت على بعض الظواهر اللسانية عند دراستي لمستويات التحليل اللغوي على سبيل التمثيل فقط، ذلك أن مجال البحث لا يمكنني من دراسة كل الظواهر على سبيل الاستقراء، فذلك ما آمل تحققه في مستقبل الدراسات التي سأحاول القيام بها، أو يقوم بها غيري من الباحثين.

وقد ذيلت بحثي بقائمة للمصادر والمراجع، وفهرسة للموضوعات.

والله تعالى من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

ـ[أم الأشبال]ــــــــ[02 Jun 2009, 05:32 ص]ـ

بحث قيم وفي وقته جزاكم الله خيرا أستاذنا الفاضل.

ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[02 Jun 2009, 02:02 م]ـ

الدكتور الفاضل أحمد

جزاك الله خيرا على هذا الطرح المتوازن والذي كما يقولون يضع النقاط على الحروف.

وأحسب أن كل مسلم يبحث في القرآن وعلومه ينطلق من رسالة هذه الأمة التي بينها القرآن غاية ووسيلة، حيث يقول تعالى:

(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) سورة آل عمران (104)

ويقول تبارك وتعالى:

(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) سورة يوسف (108)

فكل دراسة لا يظهر عليها أنها تنطلق من هذه الثوابت فلا يستغرب أصحابها حين تواجه هذه الدراست أو الطروحات بالنقد الشديد واللاذع.

ومثال هذه الدراسات والطروحات الدعوة إلى قراءة جديدة للقرآن حين يواجه أصحابها ببعض الأسئلة وفي مقدمتها:

ماهي الغاية من الدعوة إلى قراءة جديدة للقرآن؟

وما هي الأسس التي تقوم عليها هذه القراءة؟

ثم لا نجد إلا الصمت فهنا ليس أمامنا إلا أن نضع أصحابها في دائرة الاتهام وسوء الظن.

إن الإسلام لا يحجر على الفكر ولا يضيق مجال البحث، بل إنه يدعو إلى التفكر والبحث والدراسة والأخذ بكل ما هو مفيد بشرط أن يحقق الغاية التي أنزل من أجلها هذا الكتاب.

والوصول إلى غاية صالحة لا تحققها وسيلة فاسدة.

وأعجب حين أرى أغلب الدعوات إلى قراءة جديدة للقرآن تقرن بدعوة إلى تجاهل

القراءات السابقة بل والحكم عليها بعدم الصلاحية.

وهذا في نظري يعد أول مؤشرات فساد الوسيلة وأيضا هو مؤشر على سوء القصد.

وأعجب من هذا أنا لم نر الدعوة إلى تطبيق هذا المنهج في بقية العلوم كالطب والهندسة وغيرها من العلوم.

فلماذا مع القرآن والسنة فقط؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير