فجُعِلَتْ هذه العبارة فاصلة في السّورة، وهذه الفاصلة تأثير فَنِّيّ جماليّ مستطرف، مع ما تشتمل عليه من معنىً يدلُّ على حاجَةِ العباد إلى ذكر نعم الله عليهم مع كلّ موجةٍ من موجات نَهَرِ حياتهم، سواءٌ أكانت ممّا يحبّون أو ممّا يكرهون، ممّا يَطْمَعُون فيه أو ممّا يحذرون منه. اهـ (23)
وخلاصة القول: لقد اجتمعت في هذه الخصيصة من نظم القرآن عدة معان عجيبة:
منها: أن التكرار فيها مع سائر الألفاظ لم يوقع في اللفظ هجنة، ولا أحدث مللا، فباين بذلك كلام المخلوقين.
ومنها: أنه ألبسها زيادة ونقصانا، وتقديما وتأخيرا، ليخرج بذلك الكلام أن تكون ألفاظه واحدة بأعيانها، فيكون شيئا معادا، فنزهه -الحق سبحانه- عن ذلك بهذه التغيرات.
ومنها: أن المعاني التي اشتملت عليها القصة الواحدة من هذه القصص، صارت متفرقة في تارات التكرار، فيجد المرء -لما فيها من التغيير- ميلا إلى سماعها، لما جبلت عليه النفوس من حب التنقل في الأشياء المتجددة التي لكل منها حصة من الالتذاذ به مستأنفة.
ومنها: ظهور الأمر العجيب في إخراج صور متباينة في النظم بمعنى واحد. (24)
ومن اللطائف تناص الشاعر أحمد مطر ـ حفظه الله ـ مع هاتيك اللفظة قال:
غفت الحرائق
أسبلت أجفانها سحب الدخان
الكل فان ,
لم يبق إلا وجه ربك ذو الجلالة و اللجان
و لقد تفجر شاجبا و منددا و لقد أدان
فبأي آلاء الولاة تكذبان
و له الجواري السائرات بكل حان
و له القيان ,
و له الإذاعة دجن المذياع لقنه البيان
الحق يرجع بالربابة و الكمان
فبأي آلاء الولاة تكذبان
عقد الرهان ,
و دعا إلى نصر الحوافر بعدما قتل الحصان
فبأي آلاء الولاة تكذبان
و قضية حبلى قد انتبذت مكانا ,
ثم أجهضها المكان
فتململت من تحتها وسط الركام قضيتان
فبأي آلاء الولاة تكذبان
من ما ت ما ت ,
ومن نجى سيموت في البلد الجديد من الهوان
فبأي آلاء الولاة تكذبان
في الفخ تلهت فأرتان
تتطلعان إلى ا لخلاص على يد القطط السمان
فبأي آلاء الولاة تكذبان
خلق المواطن مجرما حتى يدان
و الحق ليس له لسان
و العدل ليس له يدان
و السيف يمسكه جبان
و بدمعنا و دمائنا سقط الكيان
فبأي آلاء الولاة تكذبان
في كل شبر من دم ,
سيذاب كرسي و يسقط بهلوان
فبأي آلاء الشعوب تكذبان.
وإليك هذه الطرفة:
وقال نحوي لصاحب بطيخ: بكم تانك البطيختان اللتان بجنبهما السفرجلتان ودونهما الرمانتان؟ فقال: بضربتان وصفعتان ولكمتان، فبأي آلاء ربكما تكذبان؟
أو هذه ذهب أحد النحاة إلى بائع فقال: بكم هاتان القنينتان اللتان فيهما نكتتان خضرواتان فقال البائع: مدهامتان فبأي آلاء ربكما تكذبان؟
المراجع:
(1) مقال بمجلة " مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة" للدكتور أحمد جمال العمري.
(2) خزانة الأدب وغاية الأرب / لابن حجة الحموي
(3) مقال بمجلة " مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة" للدكتور علي البدري.
(4) مرجع سابق رقم (1)
(5) "العمدة في محاسن الشعر وآدبه" لابن رشيق القيرواني
(6) المدهش لأبي الفرج ابن الجوزي
(7) مرجع سابق رقم (5)
(8) وقد أقر الشريف المرتضي القاسمي (جمال الدين صاحب محاسن التأويل) حين أخذ منه وكذاك الشهاب الآلوسي (محمود بن عبد الله الحسيني وليس محمود شكري الآلوسي)
وقال آلوسي زاده: (عُرف بذلك لدى أهل العلم وللاستزاده اقرأ كتاب أعيان القرن الثالث عشر الهجري / لجرجي زيدان فلقد نعته بذلك ولم أجد في أي كتاب من كتب التراجم تلقيبه بذلك بل إني وجدت أن تيك اللقب يلقب به محمود شكري الآلوسي): ثم أنشد قصائد أخرى على هذا النمط ولولا خوف الملل لأوردتها. اهـ وقد أوردنا هاتيك القصائد فهي بين يديك فانظرها بالأعلى.
وقال القاسمي: ثم أنشد قصائد أخرى على هذا النمط، هو من لطائف العرب، فاعرفه.اهـ
(9) خصائص التراكيب لأبي موسي (محمد بن محمد)
(10) مرجع سابق رقم (5)
(11) ربيع الأبرار للزمخشري
(12) فتح القدير للشوكاني
(13) مرجع سابق رقم (9)
(14) مرجع سابق رقم (1)
(15) معاني القرآن للفراء ج3، صـ 287
(16) روح البيان للبرسوي
(17) التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور
(18) معالم التنزيل للبغوي
(19) محاسن التأويل للقاسمي
(20) دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب
(21) السراج المنير للخطيب الشربيني
(22) مفاتيح الغيب
(23) البلاغة العربية لحبنكة
¥