(24) مرجع سابق رقم (1)
ـ[أبو الفداء أحمد بن طراد]ــــــــ[05 Jun 2009, 06:50 ص]ـ
يقول الشيخ عبد الرحمن حسن حبنكة بن مرزوق الميداني الدمشقي المكي الأزهري في كتابه " قواعد التدبر الأمثل " تحت القاعدة الخامسة عشرة" (حول التكرير وأغراضه):
على متدبر كلام الله أن يبحث في كل نص يبدو له أنه من النصوص المكررة، ليكتشف غرض التكرير إذا كان النص مكرراً محرفاً، وليكتشف فوارق المعاني إذا كان النص المكرّر مختلفاً ولو بعض الشيء، ولو بكلمة أو حرف في كلمة، فكثير من النصوص التي يُتوهَّم فيها التكرار هي ليست في الحقيقة مكررة، ولكنها متكاملة يؤدي بعضها من المعاني المرادة ما لا يؤديه البعض الآخر، بزيادة بعض الأفكار على أصل الموضوع الذي يراد بيانه، وذلك من جهات مختلفة.
ولاكتشاف أغراض التكرير الحرفي لابدّ للمتدبّر من النظر في سياق الموضوع، فقد يكون للنص الواحد عدة أهداف يمكن أن يدل عليها، ومع كل سياق ٍ يبرز أن المراد التركيز على واحد أو أكثر منها، أو يكون في النص الواحد عدة أفكار جزئية، ويؤتى به في مواضع متعددة من القرآن، للتناسب بين الموضع وما فيه من أفكار، وبين بعض أفكار النصّ المكرر.
* * *
أوّلاً: من أغراض التكرير متابعة الواقع في أحداثه وصياغة النصوص بطريقة تدل عليه، فهي فيما بينها متكاملة غير مكررة.
فمن النصوص التي تبدو أنها مكررة وهي ليست كذلك بل هي متكاملة، جرت فيها متابعة الواقع البشري فيما يلي:
يقول الله تعالى في (سورة الصف /61مصحف/ 109نزول): بشأن الكافرين، وهي سورة مدنية:
{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)}
لقد نزل هذا النص في أواسط المرحلة المدنية، ثمّ نزل بعده في أواخرها قول الله تعالى في (سورة التوبة / 9مصحف / 113نزول): بشأن اليهود والنصارى:
{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)}
هذا النصان متشابهان، ولكنهما ليسا بمتماثلين تماماً، فما في الصف: {يريدون ليطفئوا} وما في التوبة {يريدون أن يطفئوا} وما في الصف: {والله متم نوره}، وما في التوبة {ويأبى الله إلا أن يتم نوره}.
ونظراً إلى هذا الاختلاف بين النصين ولو كان جزئياً، فالأولى البحث عن اختلاف دلالتيهما،ليتكاملا في أداء المعنى الكلي.
ويبدو لي في دلالة: {يريدون ليطفئوا} أنهم يريدون مرادات مختلفات يتخذونها وسائل ليطفئوا نور الله بأفواههم، أمّا {يريدون أن يطفئوا} فتدل على أنهم يريدون الإطفاء، ولعلهم بعد اتخاذهم الوسائل المختلفة تَصَوّرُوا أنّهم قد وصلوا إلى مرحلة الإطفاء، بعد أن كانوا في مرحلة إرادة الوسائل التي توصلهم إلى الإطفاء الذي هو هدفهم الأخير.
والفارق الآخر بين النصين، ولاملاحظ بين: {والله متم نوره} وبين {ويأبى الله إلا أن يتم نوره} يتناسب مع الفارق الأول، وذلك لأن الكافرين ما داموا في مرحلة إرادة الوسائل التي من شأنها أن تصل إلى إطفاء نور الله، فالله متم نوره، والتعبير هنا لا يزيد على إثبات وصف إتمام النور. لكنهم إذا وصلوا بعد اتخاذ الوسائل إلى مرحلة إرادة إطفاء نور الله.فالمناسب له أن يقال باهتمام: {ويأبى الله إلا أن يتم نوره}
فتكاملت بذلك المعاني الحركية الدالة على الدعوة، وأعدائها، وأعمالهم ضدها، وإحباط الله لأعمال الأعداء.
هذا مع تأكيد أن الأساس في هذه الرسالة الربانية واحد، دل عليه في كل من النصين قول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)}
* * *
¥