تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

و المتأمل في التفاسير اللغوية يجدها قد أصلت للتفسير و قعدت له، فساهمت بذلك في صياغة نظرية متكاملة في التفسير يمكن الاصطلاح عليها بالمذهبية الإسلامية في تحليل الخطاب عامة، والخطاب القرآني خاصة، و ذلك أنها عملت على حل الإشكال الكبير الذي يواجه الإنسان و هو يتعامل مع القرآن الكريم. كما أنها أغلقت بابا واسعا فتحه المبطلون لتحريف الكلم القرآني عن مواضعه، بجعله حمالا لكل المعاني الممكنة و ذلك بتبني مفهوم الظاهر والباطن الذي أضحى أبطنا، مما جعل القرآن الكريم على أي محمل حملته يحتمله. لقد سارعوا إلى تقييد ذلك المطلق استنادا إلى معطيات موضوعية و علمية، فالقرآن الكريم يصف نفسه في أحد عشر موضعا بأنه نزل بلسان عربي أي نزل موافقا لسنن العرب في الكلام.

ومن المعلوم أن أهم مكون في اللغة هو المكون التركيبي ذلك أن البنية التركيبية إذا تغيرت فإننا ننتقل من مستوى نسق لغوي إلى نسق لغوي آخر، فضلا عن العلاقة الجدلية القائمة بين المستوى التركيبي والمستوى الدلالي حتى استقر في العرف البلاغي قولهم: الزيادة في المبنى زيادة في المعنى، أي إن أي تغيير يطرأ على البنية التركيبية بالزيادة أو النقصان، أو التقديم أو التأخير، ينعكس على البنية الدلالية. لذلك عملوا على إعراب القرآن الكريم و ذلك بتحديد الإمكانات التركيبية التي يحتملها النص القرآني، و بالتالي عملوا على تحديد الإمكانات الدلالية، قالنص يحتمل من المعاني بقدر ما يحتمل من المباني.

لقد استقر العرف عند المفسرين و القراء أن لكل قراءة إعرابا، ومن ثم فإنه إذا كان لها إعراب فلها معنى. كما أنهم واجهوا من حاول أن يجعل النص القرآني فاقدا للمعنى الذي يستطيع البشر فهمه و وعيه، وذلك بقولهم: إن من القرآن ما استأثر الله بعلمه، أي ما لا يعلمه أي إنسان (التفويض)، وما اختص الله تعالى به نفسه العلية. إن هذا الأمر مخالف لمفهوم التواصل الذي تفيده الرسالة الربانية، فالله تعالى أرسل رسله لتبين للناس ما يرتضيه ربهم و ما ينهى عنه، فإذا كان مما نزل ما لا يعقلوه فمعنى ذلك أن جزءا من الدين سيظل معطلا.

و من هنا عملوا على التفريق بين مستويين:

أ. الفهم.

ب. الإدراك.

فصاحب اللسان العربي عندما يسمع كلام الله متحدثا عن الصفات الإلهية فإنه يعرفها لأنه يفهمها، و الدليل قدرته على التمييز بينها، فهي ليست لديه سواءا، فالسمع ليس هو العلم، و لا البصر، و لا اليد، و لا القدرة، و لا الاستواء، و إن كان لا يدركها أي ليس في وسعه معرفتها على ما هي عليه في الواقع. لقد مهدوا من هنا لدراسة قضية التأويل في بعدها اللغوي التداولي حيث أضحى فهم هذه القضية متيسرا بالنظر إليه في إطار تقسيمه إلى خبر و إنشاء.

فالخبر هو ما يحتمل الصدق أو الكذب، و الإنشاء هو ما كان أمرا أو نهيا. و من ثم فإن التأويل من حيث هو خبر هو إدراك القضايا المخبر بها على ما هي عليه في الواقع، و أما تأويل الأمر والنهي فهو تطبيقه، بمعنى تنزيل النص الشرعي على الواقع.

وبذلك نجد آثار عمل المفسرين اللغويين امتدت إلى القراءات و الفقه وأصول الفقه و علم الكلام، و علم المناظرة و الجدل، مما جعل من دراسة أعمالهم مدخلا أساسا لفهم الشريعة الإسلامية، بل الحضارة الإسلامية برمتها باعتبارها مؤسسة على نص معرفي و لغوي ألا و هو القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف. إنهما مرجعا هذه الحضارة، و المقومان الأساسيان للهوية المسلمة.

كما أننا نجد علماء المسلمين ينصون على أن من معايير الحكم على تفاسير المفسرين موافقتها لما تعارفت عليه العرب في لغاتها، فمن تجاوز دلالتها ومعانيها فهو مجحف وتفسيره مغرض.

وقد نقل السيوطي (ت 911 هـ) عن الزركشي (ت 794هـ) أن من أهم شروط المفسر إحاطته باللغة وعلومها، كما عرض آراء العلماء في هذا المصدر فوجدناهم يقررونه كأساس لأي تفسير سليم، بل إن العلماء بالتفسير وعلومه لا يجوزون تفسير القرآن إلا لمن كان محيطا إحاطة شافية كافية باللغة وعلومها، وقد نص على ذلك كثير من العلماء، من ذلك ما أورده السيوطي في كتابه " الإتقان في علوم القرآن ": ومنهم من قال يجوز تفسيره لمن كان جامعا للعلوم التي يحتاج المفسر إليها وهي خمسة عشر علما:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير