و لا بأس أن أذكر هذا الحديث الذي ساقه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في كتاب عمدة التفسير الذي يعنيني منه: (و لما بلغ رسول الله خمس و ثلاثين سنة اجتمعت قريش لبنيان الكعبة، هذا الحديث طويل مما فيه: (حتى إذا انتهى إلى الأساس أفضوا إلى حجارة خضر ....... أخذ بعضها ببعض ثم إن القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنائها كل قبيلة تجمع على حدة ثم بنوها حتى بلغوا البنيان موضع الركن، فاختصموا فيه كل قبيلة تريد أن تضعه دون الأخرى حتى تحاوروا بالجمع – و تخالفوا و أعدوا للقتال ...
فإذن دائما الحوار بين أطراف، طرف طرفان على الأقل في الرأي، مما يستفاد دائما الحوار يكون بين مختلفين لا في الحديث و لا في القرآن، أحاديث الحوار بصفة عامة، فهذا الحديث الصحيح في الإمام البخاري: (كانت بين أبي بكر الصديق و عمر محاورة فأغضب أبو بكر عمر فانصرف عن عمر مغضبا فاتبعه عمر .... )
الحوار من جملة مكونات مفهومه الاختلاف و لكن مع هذا الاختلاف الاستقلالية في رأي الطرفين لكل طرف رأيه الخاص المختلف عن الآخر المستقل، كذلك في الهدف إذا نظرنا إلى نوع المكون في الهدف هناك مسألة الإقناع بوجهة نظر، دائما المحاور له هدف في حواره، هو أنه ينطلق باستقلال من وجهة نظره يهدف إلى أن يقنع الآخر بوجهة نظره.
الأسلوب كما في الأسلوب أيضا التبعية لنوع الشخصية، لأننا إذا حللنا حوار الذي قال: (أنا أكثر منك مالا و أعز نفرا، و الآخر قال: (أكفرت بالذي خلقك من تراب) إذا حللته تجده أسلوب الداعية الحكيم المؤمن.
النقطة الرابعة: في علاقة الحوار بمرادفاته في القرآن الكريم عندنا اللفظان المشهوران: الحجاج و الجدال.
الحجاج لم يرد في القرآن كله إلا خصومة بباطل من مبطل، و قد نص على هذا ابن عاشور، لكن من تتبع الآيات يجد أنه لم يثبت في القرآن كله لنبي أو عبد صالح.
الذين يحاججون بصفة عامة في القرآن من حيث مصدره من يحاجج بصفة عامة هو المبطل و يحاجج في باطل.
لفظ الجدال، الخصوصية التي تميزه، الجدال استدلال بقصد الدفاع و الغلبة، لذلك ربطه البعض بمعنى الجدل و الجدالة هي الأرض، يعني ألقاه على الجدالة صرعه على الأرض الصلبة.
الحوار أعم من كل ذلك و ليس من شرط وجوده وجود ما تقدم، المعاني التي توجد في الجدال و الحجاج قد لا توجد في الحوار.
النقطة الخامسة و الأخيرة: في كون الحوار الفضاء الأفسح للتواصل ننظر إليه من ثلاث زوايا في تلك الآيات: بين مريد الآخرة و مريد الدنيا، هل يكون الحوار، و بين المؤمنين أنفسهم ذكرانا و إناثا كما في سورة المجادلة، و بين الرؤساء و المرؤوسين كما في حال سورة المجادلة أيضا كل ذلك.
و أخيرا خاتمة: في ضرورة التعاون العلمي و المالي على مشروع المعجم المفهومي للقرآن الكريم.
القرآن الكريم باختصار بحاجة ماسة إلى دراسة لألفاظه من جديد تستوعب جهود الأقدمين لا في كتب التفسير، و لا في كتب المفردات و غريب القرآن، و لا في غير ذلك من جهود المعجميين بصفة عامة الذين جزاهم الله خيرا ما انفصلوا عن لغة القرآن كما ينعق بعض الناعقين اليوم ليفصلوا الأمة عن لغة القرآن هذا ما كان و ما ينبغي أن يكون.
بعد ذلك الاستيعاب ينبغي تركيز النظر بمنهجية حقيقية مثل ما هو موجود في معهد الدراسات المصطلحية –منهجية خاصة لدراسة الألفاظ في القرآن الكريم نفسه – لاستخلاص الدلالة الخاصة بكل لفظ، وفق الأنساق التي لها في بنية القرآن البنية المفهومية للقرآن الكريم و بالله التوفيق و و رحمة الله.