تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وطبق ذلك في بلاد كثيرة ومنها بلاد المغرب حيث بدأ الحديث عن إعمال المناهج الحديثة في تفسير النص القرآني، بل وغيرت حتى المصطلحات، فالقرآن لم يعد اسمه القرآن بل اسمه المدونة الكبرى، والسبب المرتبط به نزول الآية أو الآيات أصبح يسمى الواقعة القرآنية، و تم إحياء كل ما كتبه المستشرقون وكل ما نفثوه من أحقاد طيلة ثلاثة قرون، كل ذلك يتم الآن إعادة إنتاجه وتقديمه بلغة جديدة، وحذلقة جديدة، ومناهج تسمى جديدة.

ويراد الآن إلغاء مناهج التفسير وعلوم التفسير وعلوم القرآن في جامعاتنا الإسلامية ومعاهدنا الدينية والشرعية، وإحلال هذه المناهج مكانها ليصبح النص القرآني عرضة لعبث من هب ودب، ولكي تسري روح الفوضى عليه، والضياع واللامعنى، نسأل الله العافية وحسن الخاتمة.

في هذا السياق أقدمت وزارة الأوقاف على استدعاء أحد الأمريكيين وكلفته بوضع منهاج لتكوين طلبة دار الحديث الحسنية، ويحتوي على الثلثين من المواد ذكر الوزير نفسه أنها في سياق التفتح ويشمل عددا من اللغات القديمة والحديثة وكذا المناهج الحديثة وخصص الثلث فقط للعلوم الشرعية وربما بدورها بمناهج لا تخلو من مقال. في نظركم هذا التحول الذي تعرفه مؤسسة دار الحديث الحسنية إلى أي شيء يرمز وما هي دلالته؟

إنه لشيء مؤسف ومخيف بل ومرعب، أن نكل مصائرنا إلى مثل هذه الاختيارات الانتحارية، القائمة في الجوهر إذا ما أزلنا الحذلقة والتبرير على الخضوع للضغوط الأجنبية. ما معنى أن يأتي أمريكي لكي يعلمنا في دار الحديث الحسنية مناهج التدريس ولكي يملي على أساتذتنا ما سوف يملونه على طلبتنا؟ وما معنى أن يتم التستر على هذه المناهج وعدم نشرها للجمهور وكأن الأمر سر من الأسرار العسكرية أو الاستخباراتية؟ ألا يحق للشعب المغربي المسلم وعلمائه وممثليه في البرلمان ومجتمعه المدني الغيور على دينه أن يعرف حقيقة هذه المناهج التي سيتكون عليها غدا من يفتي ومن يقرر ومن يدرس؟

إذا كنا اليوم نعاني مع قلة من المتغربين درسوا عند المستشرقين في الجامعات الأوروبية وتخرجوا من بعض الشعب التي تسمى شعب الدراسات العربية الإسلامية وجاءوا مشحونين بكثير من الشكوك والأسئلة والطعون والافتراءات وبكثير من الجهل بالمقومات الأساسية للعلوم الشرعية، فكيف يكون الأمر إذا أصبحنا أمام أفواج من طلبتنا ينهلون من نفس المعين في عقر ديارنا؟

بل وكيف يكون حالنا مع انقراض هذا الجيل الملقح والذي يواجه مثل هذه التيارات وهو إلى انقراض لأنها سنة الله في الكون، هذا الجيل من العلماء الذين تكونوا بالطرق التقليدية وتشربوا العلوم الإسلامية من منابعها الصافية ومن مصادرها الأصلية، كيف إذا انقرضوا ولم يبق إلا هذا المسخ الذي يراد تخريجه بهذه المناهج الماسخة والممسوخة. وإن هذا ما يراد للمغرب وما تريده أمريكا، وللأسف فإن السياسات العليا في المغرب منبطحة للتوجيهات الأمريكية والأوامر الأمريكية، وليس غريبا أن ينخرط المغرب في برنامج الشرق الأوسط الكبير، وليس غريبا أن يستضيف منتدى المستقبل، وليس غريبا أن يصبح بلدنا الآن هو موضوع تطبيق وتجريب كل ما تريد أمريكا أن تعممه على العالم الإسلامي حتى إن الدوائر العليا الأمريكية لتمدح السياسات الرسمية المغربية لأنها متعاونة وأنها طليعة التغيير، وتعتبرها قدوة لباقي الشعوب العربية الإسلامية.

فهل يعقل أن ينتقص لطلبة العلوم الشرعية الجزء الأوفر من المواد الأساسية كالتفسير والحديث والأصول والفقه؟ وهذا التغيير نفسه هو ما بلغنا عن مقررات جامعة القرويين مما اضطر كثيرا من الطلبة أن يغادروها غاضبين ليعودوا إلى بيوتهم لأنهم لم يجيئوا ليتعلموا الهرمينوطيقا ولم يأتوا ليتعلموا الإنجليزية والفرنسية والحاسوب حتى وهذه المعارف مهمة ولكن لا ينبغي أبدا أن تكون على حساب العلوم الشرعية.

فهل يعقل مثلا أن تمحو كلية الطب من مقرراتها مواد طبية أساسية كالتشريح والجراحة والطب الباطني وتعوضه بعلم الاجتماع والاقتصاد بحجة أن الطبيب عليه أن يعرف كيف يتعامل مع المريض، وكيف يسير عيادته، وأي جامعة في الدنيا ستقبل طبيبا لم يدرس من العلوم الطبية إلا القليل ودرس الكثير من العلوم الزائدة التي ليست هي الأصل في تكوينه بزعم أنه يحتاج إليها لكي يكمل مهمته؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير