ـ[أم عبدالله الجزائرية]ــــــــ[10 Jul 2009, 07:58 ص]ـ
المصدر الثاني: تفسير القرآن بالسنة:
وهو نوعين:
النوع الأول: التفسير النبوي للقرآن الكريم:
تبيين القرآن الكريم من أهم وظائف الرسول صلى الله عيه وسلم، فمنذ أن أنزل القرآن على النبي صلى الله عيه وسلم تكفل الله تعالى لنبيه بأنه سيعلمه بيانه:
قال تعالى:
{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (القيامة:18 - 19).
فالنبي صلى الله عيه وسلم كان يعجل بالقرآن وراء جبريل ليحفظه قال تعالى:
{وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} (طه:114)
، فتعهد الله تعالى له بأنه لن ينسى القرآن.
{سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى} (الأعلى:6)
وقال تعالى في ما يخص بيان الرسول صلى الله عيه وسلم للقرآن:
{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل:44)
{وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} (النساء:113)
و التفسير النبوي للقرآن الكريم يظهر من خلال المثال التالي:
ورد في حديث عقبة بن عامر الجهني أنه قال:
" خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ قوله تعالى:
{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} (الأنفال:60)
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي)
فالنبي صلى الله عليه وسلم فسر " القوة " في الآية بالرمي.
وهذا تفسير نبوي، وهو تفسير للقرآن بالسنة، وهو حجة، وحجيته مثل حجية تفسير القرآن للقرآن بالقرآن؛ لأنه صادر من المعصوم عليه الصلاة والسلام.
س: لكن ما هو القدر من القرآن الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة رضي الله عنهم؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمته:
" وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ألفاظ القرآن كما بين لهم معانيه "
فذهب الشراح إلى أن مقصوده أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فسر القرآن الكريم كاملا، وقد وجدت كلاما لابن حبان في كتابه المجروحين ذكر فيه معنى بيان النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن، وأن المقصود باختصار: " أن تبين للناس ما بهم حاجة لبيانه "؛ ولذلك فإن المسائل التي حفظت من بيان النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن قليلة.
والصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن كل لفظة؛ فهم أهل اللغة وأهل السليقة، وشهدوا التنزيل، ولو تأملتم قولهم في القرآن الكريم [يَسْأَلُونَكَ] لوجدتم أنها أسئلة محصورة، وأغلبها في الفقه، أما أسئلة التفسير فكانت قليلة جدا.
وفهم الصحابة رضي الله عنهم في للقرآن بهذه الطريقة أمر منطقي، فالقرآن الكريم رسالة الغرض منها العمل، ومن أهم وأخص خصائص الرسالة أن تكون واضحة لمن ترسلها إليه، حتى يقوم بتنفيذ ما فيها.
س: لكن ما هو البيان النبوي الذي قصدناه فيما سبق؟
النبي صلى الله عليه وسلم كان فعله وقوله وأخلاقه كلها بيان للقرآن الكريم، قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} (التوبة:119)
كانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم صدق كلها؛ ولذلك عندما سئلت عائشة أم المؤمنين رض الله عنها عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم قالت للسائل:
هل قرأت القرآن؟
قال: نعم.
قالت: " كان خلقه القرآن "
فمكارم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته العظيمة تفسير منه عليه الصلاة والسلام للقرآن، لكن نحن عندما نقول [البيان] نقصد البيان القولي اللفظي الظاهر، بمعنى أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم معنى الآية كذا، وهذا قليل.
النوع الثاني: من تفسير القرآن بالسنة:
وهو أن يأتي من بعد النبي صلى الله عليه وسلم فيفسر بعض الآيات القرآنية بقول النبي صلى الله عليه وسلم، فيأتي صحابي فيقول هذه الصحابة يفسرها قول النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، وله حكم تفسير الصحابي.
وهنا لا بد من ملاحظة نقطة:
وهي إذا كان التفسير فيما لا مجال للرأي فيه فلا شك أنه حجة.
مثال:
قال تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً} {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} (الفجر:21 - 22 - 23).
فجاء ابن كثير ففسر قوله تعالى: [وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ]، فقال معناها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف مَلَك يجرونها ". (أخرجه الإمام مسلم في صحيحه)
ولا شك أن الحديث ظاهر الدلالة على الآية.
فإذن تفسير القرآن بالسنة قد يكون من فعل الصحابي وقد يكون من فعل التابعي، وقد يكون من فعل المفسرين، ويتفاوت ظهورا وردا بحسب وضوحه وظهوره وصحته، وأيضا لابد أن يفسر المفسر الآية بحديث صحيح، وإلا كان تفسيره مردود.
ويدخل في تفسير القرآن بالسنة ما يسمى بالأحاديث القدسية ففيها تفسير كثير للقرآن الكريم.
يتبع بإذن الله تعالى ..
¥