شكر الله لكم حضرة الباحث الفاضل، والنص الذي نقلتموه مشكورين، فيه مشابهة للنص الأول الذي سألتم عنه، والفكرة فيهما واحدة، وهي أن الإمام الماتريدي يجعل عملية فهم الدلالة تعتمد على أمر زائد على مقتضى اللفظ وحده، ويجعل الفهم السليم لآي الكتاب، هو المعتمد على الدلالة اللغوية، مع ما تقتضيه الحكمة والمعنى، وعطفه المعنى على الحكمة، مؤذن بأن بينهما علاقة وطيدة، وإذا اعتبرنا أن الأصل في العطف أن يقتضي المغايرة، كانت الحكمة عنده دالة على غير المعنى،
وأظن أن هذا النص الذي ذكرتم، يؤيد ما قلته سلفا من أن الحكمة تشبه أن تكون عنده بمعنى القصد من الكلام.
ودليل ذلك انه ذكر أمثلة لم يأت فيها التفسير على وفاق الظاهر، بل على المعنى والقصد.
وتأمل قوله "مع تصرف في النص": (فإذا قمتهم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) لم يفهم أهلها منها ظاهر المخرج، [أي ظاهر التركيب] ولكن فهموا على مخرج الحكمة [أي القصد المراد من الكلام] لأن ظاهر المخرج [أي ظاهر التركيب اللغوي] يقتضي: أن يفهم من الامر بالقيام الى الصلاة، الوضوء بعد القيام إليه. ثم لم يفهموا [أي أهل التفسير] فى هذا [التركيب] ونحوه هذا [المعنى] ولكن فهموا [معنى آخر لا يدل عليه التركيب وهو] إذا قمتم أى: إذا أردتم القيام إلى الصلاة فاغسلوا كذا، ولم يفهموا كل قيام إنما فهموا قياما دون قيام، أى إذا اردتم القيام الى الصلاة وأنتم محدثون. اهـ
إذا كيف فهم المعنى من الآية؟ فهم المعنى عندما اعتبرنا قصد الشارع وحكمته من هذا القول، وأنه لا يريد به إيقاع الوضوء بعد الصلاة، بل إيقاع الوضوء قبل الصلاة.
فالماتريدي رحمه الله بهذا البيان، يحيلنا على كيفية فهم الدلالة من آي الكتاب، وعلى أي وجه تكون، كما يحيلنا على آلية مهمة جدا، وهي معرفة القصد، الذي بموجبه تتأطر عملية الدلالة وتستقيم.
ومما يساعد على هذا المذهب: أن الماتريدي يعرف التفسير بأنه: [القطعُ على أن المرادَ من اللفظ هذا، والشهادةُ على الله سبحانه وتعالى أنه عنَى باللَّفظِ هذا]
وكأني به في كتابه التفسير، يؤصل لكيفية استنباط الدلالة على وجه يحصل معه القطع، ولما كان ذلك غير ممكن اعتمادا على التراكيب اللغوية فقط، نص في مواضع من كلامه، على أهمية اعتبار القصد، أو الحكمة من الخطاب، لتضمن سلامة التفسير، من التعسف والحمل على غير المراد.
أما فيما يتعلق بالسياق، ففكرة السياق كانت قبل الإمام الماتريدي بزمن، وكانت مطبقة باعتبارها منهجا فعالا في كشف الدلالة وتحديدها، وقد اعتمد المفسرون قديما على بعض الظواهر السياقية، كالأشباه والنظائر وأسباب النزول، والمناسبات، ونحو ذلك.
ويمكن إدراج اعتبار القصد من الكلام، في السياق المقاصدي، وهو: النظر إلى الآيات القرآنية من خلال مقاصد القرآن والرؤية القرآنية العامة للموضوع.
والله أعلم
ـ[بديع الزمان الأزهري]ــــــــ[27 Jul 2009, 12:57 ص]ـ
جزاكم الله خيرا استاذنا
اذا:
فالحكمة المجعولة فى الخطاب والتى يفهم التركيب/ الظاهر فى ضوئها أو من خلالها هى = المقصود من الكلام ..
اذا كان كذالك:
فكيف نصف العلاقة بين المقصود من الكلام ومعنى الكلام؟
ـ[عدنان أجانة]ــــــــ[27 Jul 2009, 12:49 م]ـ
[فكيف نصف العلاقة بين المقصود من الكلام ومعنى الكلام؟]
أما القصد، فهو الإطار الذي يحدد المعنى ويوجهه. وأما المعنى فهو ما يفهم من التركيب والعبارات، على ضوء القصد.
وفكرة القصد تجدها جلية عند النحاة، الذين اشترطوا القصد في الكلام،
قال ابن آجروم: الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع.
فدل قوله المفيد على ما كان مفيدا للمعنى.
وقوله: بالوضع على ما كان مقصودا.
فيكون القصد هو الغرض الذي قصد المتكلم الإبانة عنه، بألفاظ وعبارات تفهم منها معان معينة،
وتعرف مقاصد القرآن الكريم، بتتبع مجاري عاداته في الاستعمال، وبتتبع النظائر،
[وإذا رجعنا إلى نص الماتريدي، نجده يقول:" وفهموا من قوله (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض) وفهموا من قوله (فإذا طعمتم فانتشروا) وكذالك فهموا من قوله (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله) الفراغ منها"] اهـ
فقد استحضر بعض النظائر، ليثبت بها عادة من عادات القرآن في التعبير.
¥