ـ[محبة القرآن]ــــــــ[21 Jul 2009, 01:45 ص]ـ
الرحمن الرحيم
تفسير سورة النازعات
المقطع الثاني
(يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ). تسع آيات ذات وحدة موضوعية واحدة.
(يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7)): هذا الظرف متعلق بما أضمر، وتقديره: لتبعثن يوم ترجف الراجفة. والراجفة: قيل في تفسيرها: النفخة الأولى التي يحصل بها الصعق، والرادفة النفخة الثانية التي يحصل فيها البعث. ولا ريب في وجود نفختين، فإن الله سبحانه وتعالى قال: (ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون) فالنفختان هما: نفخة الصعق , ونفخة البعث. وأضاف بعض العلماء نفخة ثالثة، سموها نفخة الفزع , واستدلوا لذلك بأحاديث. وقيل أيضاً في تفسير الراجفة: أنها النفخة الأولى، وأن الرادفة هي النفخة الثانية , وقد ورد هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقيل: إن المراد بالراجفة هي الأرض نفسها؛ لقول الله تعالى: (يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيباً مهيلاً)، والرادفة: السماء؛ لكون انشقاق السماء يأتي بعد ذلك, فتكون الراجفة الأرض حين ترجف , والرادفة السماء حين تنشق. ولعل ما ذهب إليه ابن عباس أقرب.
(قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9)): صور الله سبحانه وتعالى، مظاهر الفزع، والخوف، ظاهراً، وباطناً؛ أما الباطن ففي قوله: (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ) أي: خائفة , والخوف محله القلب وأي خوف أعظم من ذلك الخوف الذي لا يدرى صاحبه إلى أين يصار به؛ إلى جنة أم إلى نار؟ تخيل نفسك في بعض مواقف الدنيا، في أمر دنيوي عما قليل تتجاوزه، وتشتغل بغيره؟ فكيف بهذا الأمر الأبدي، السرمدي، الذي هو نهاية حال العبد؛ فلذلك كانت القلوب واجفة.
(أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ): أبصار أصحاب القلوب خاشعة، أي: ذليلة؛ لأن الخشوع هو الهبوط. ولا ريب أن القلب هو سر العبد الداخلي, ولا ريب أن العين، أعظم ما يظهر عليه الأثر. العين هي المرآة التي تكشف عما في القلب. ولما وصف الله حال الظالمين، قال: (ينظرون من طرف خفي)! فالطرف، والنظر، ينبأ عما في القلب فهو مرآته العاكسة. والخشوع يدل على الهبوط, قال تعالى: (وترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت).
(يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ): تساؤل عجيب! يكشف عن قلق، وتوتر، وعجب لا ينقطع. (لمردودون) يعني: معادون , (في الحافرة) الحافرة: هي الحياة بعد الموت. يعني أنعود نحيا بعد أن متنا , كما وصف الله عز وجل هذا في موضع آخر: (ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون) والنسلان هو الإسراع في المشي, (قالوا ياويلنا من بعثنا من مرقدنا) ما كانوا يتوقعون هذا ولا يأملون؛ لأنهم كانوا منكرين للبعث, (هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون) , فيالها من مفاجأة , وأي مفاجأة! صدمة هائلة لهؤلاء المنكرين للبعث. وتأمل وقع هذه الآيات عليهم في الدنيا، وهم ينكرون البعث, لا ريب أن مثل هذه الآيات هزت كثيراً من القلوب ودعتها إلى الإيمان , إلا من أبى. وقيل في تفسير الحافرة، أي: الأرض؛ يعني: أنحن مردودون إلى الأرض التي كنا نسكنها؟ وقيل، وهو قول بعيد: (الحافرة) النار. ولا يستقيم هذا مع قولهم (لمردودون)؛ لأنهم ما كانوا فيها حتى يردوا إليها. وأصل الحافرة في لغة العرب: رجوع المرء من الطريق الذي أتى منه. تقول العرب: " رجع فلان إلى حافرته " كأن الإنسان إذا سلك درباً حفر أثره في طريقه, فإذا قيل رجع فلان إلى حافرته، كأنما قيل رجع أدراجه يعني رجع على سيرته، وخطته التي مشاها.
¥