فالذي أوصيك به - أخي الكريم - أن تنظر في منهج أولئك الأئمة النقاد في خبر الواحد وتعرف حجتهم ثم تتبعهم على منهجهم فإنهم كانوا على الحق والهدى
ولو أن رجلاً لا علم له بالطب تكلم في الأمراض وعلاجها بما يخالف أصلاً من أصول الطب المعروفة لدى أهله لم يكن لقوله قبولاً ولا حظاً من النظر
فكذلك من تكلم في مسألة من المسائل الأصول في علم الحديث بما يخالف ما عليه أهل هذا العلم لم يكن لقوله قبولاً ولا حظاً من النظر
ولأختصر عليك المقال سأذكر لك زبداً من أقوالهم تكفيك عما وراءها، وتعرفك بمنهج أهل الحديث في هذا الأمر الجلل، وتنبيك عن بدعية التشكيك في خبر الواحد، وتشنيع الأئمة على من يطعن في الأسانيد بهذه الطريقة.
قال الخطيب البغدادي رحمه الله: (وعلى العمل بخبر الواحد كان كافة التابعين ومن بعدهم من الفقهاء الخالفين في سائر أمصار المسلمين إلى وقتنا هذا). الكفاية (1/ 129).
وقال الحافظ النووي رحمه الله: (أجمع من يُعتد به على الاحتجاج بخبر الواحد ووجوب العمل به، ودلائله من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وسائر الصحابة ومن بعدهم أكثر من أن يحصر). شرح صحيح مسلم (14/ 131 (
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: (وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات، ويعادي ويوالي عليها، ويجعلها شرعا وديناً في معتقده، على ذلك جماعة أهل السنة والجماعة) التمهيد (1/ 8)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (و أما القسم الثاني من الأخبار , فهو ما لا يرويه إلا الواحد العدل ونحوه , ولم يتواتر لفظه ولا معناه , ولكن تلقته الأمة بالقبول عملا به , أو تصديقا له , كخبر عمر بن الخطاب رضى الله عنه ((إنما الإعمال بالنيات)) .... وأمثال ذلك , فهذا يفيد العلم اليقيني عند جماهير أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الأولين والآخرين. أما السلف فلم يكن بينهم في ذلك نزاع , وأما الخلف فهذا مذهب الفقهاء الكبار من أصحاب الأئمة الأربعة)
قلت:
وكان عليه عمل الصحابة رضي الله عنهم
ومن ذلك:
o عمل عمر بخبر عبد الرحمن بن عوف في أخذ الجزية من المجوس
o وعمل عمر بن الخطاب بخبر عبد الرحمن بن عوف أيضاً في قصة الطاعون
o وعمل علي رضي الله عنه بخبر المقداد بن الأسود في حكم المذي
وللتفرد أحوال وأحكام لدى أهل العلم بالحديث، والكلام السابق هو على تفرد من تقبل روايته بشروطها المعتبرة لدى أهل العلم بالحديث
أما تفرد من لا تقبل روايته فلا يحتج بها
وكذلك تفرد الثقة بما يخالف من هو أوثق منه غير مقبول
وتفصيل ذلك مذكور في موضعه في كتب علوم الحديث فراجعه إن شئت.
ـ[عدنان أجانة]ــــــــ[21 Jul 2009, 11:27 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله،
أظن أن الحديث عن هذه القضية، يمكن أن يكون أكثر نفعا، إذا تم تعزيزه بأمثلة وشواهد تطبيقية، - إن وجدت- تدل على معارضة الحديث، لصريح المعقول أو صحيح المنقول.
لأن الكلام النظري في هذا الباب، قد لا ينتهي، أما إيراد الأمثلة، فإنه يعزز الجواب الذي يتطلبه الإخوة.
خصوصا وأن المسألة تحتاج إلى تحرير، ومما يعين على تحريرها الإلمام بالصناعة الحديثية، والمعرفة بمنهج المحدثين، وسلوك سبيلهم في النظر.
ثم بعد هذا كله، كم هي تلك الأحاديث التي رويت بسند صحيح، من رواية راو واحد، وكان مضمونها معارضا لما يقره العقل؟ أو تقتضيه آيات الكتاب العزيز؟
وما هي نسبة الأحاديث التي انفرد بها الرواة واحتج بها الأئمة؟ وكم تشكل نسبتها بالنسبة إلى الشريعة؟ وهل كان احتجاج الأئمة بها وحدها؟ أم انضافت إليها قرائن وأدلة أخرى عملوا بها معها؟
أسئلة واردة على مسألة الاحتجاج بخبر الواحد، ينبغي التنبه لها واعتبارها في هذا الباب، ودمتم
ـ[عبدالعزيز الداخل]ــــــــ[21 Jul 2009, 11:38 م]ـ
وعليكم السلام رحمة الله وبركاته
أرجو أن تجد في هذين الرابطين ما يفيد في بعض ما ذكرت من النقاط
http://www.afaqattaiseer.com/vb/showthread.php?t=3789
http://www.afaqattaiseer.com/vb/showthread.php?t=80
ـ[أبو الحارث العامودي]ــــــــ[22 Jul 2009, 12:22 م]ـ
الأخوة الكرام
قرأت أدلة من يفرق بين الشهادة والرواية فلم أجدها تجيب عن الاستشكال الذي أطرح. ومربط الفرس في هذا الكلام:
واقع الناس كل الناس -- بغض النظر عن دينهم -- أنهم يقبلون خبر الواحد، لأن الأصل صدق المخبر. ولكن قد تحف قرائن تجعلنا نتوقف عن القبول لنتثبت. وثابت أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يأخذون بخبر الواحد. وفي المقابل ثبت أحياناً أنهم كانوا يميلون إلى التثبت، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما طلب من أبي موسى أن يأتيه بشاهد، وكما فعل زيد بن ثابت رضي الله عنه عندما كان يشترط أن يشهد شاهدان على أن الصحيفة كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعندما نطلب شاهداً إضافياً لا يعني ذلك أننا نتّهم الشاهد الأصلي، وإنما هو حكم الله بيننا عندما نختلف ولا نقبل بشهادة شاهد واحد. فرد الشهادة إذن لا تعني التكذيب، وإنما تعني أنني أمارس حقي الشرعي. فالشرع إذن يخيّرني بين أن أقبل شهادة الشاهد وبين أن أطلب التثبت بإضافة شاهد آخر. وبعد ذلك أدخل في دائرة الإلزام ما لم أكن قادراً على الطعن في شهادة الشهود.
والناس يغلب أن يقبلوا شهادة الواحد، وهذا هو الغالب في حياة الناس مسلمين وغير مسلمين. ولكن عندما يراد أن تكون الشهادة حجة فالناس -- أعني أهل الإسلام -- لهم الخيار: إما أن يقبلوا هذه الشهادة ويمضوها، أو لهم أن يطلبوا أكثر من شاهد.