تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وما لنا والبحثَ عن الناقل، والأخذ بالإسناد النازل، واعتماد الوسائط والوسائل، وهذه نشرة الشيخ من كتاب أسرار البلاغة بين أيدينا!

ذكر في مقدمتها تصحيحات الشيخ محمد عبده التي أثبتها السيد محمد رشيد رضا في نشرته من الأسرار، وقال: " وقد أوقع في قلبي الريبة من هذه التصحيحات ما أعلمه من تسرع الشيخ عبده وطغيانه في التصحيح بغير دليل، اعتمادًا على ذكائه، وحبه للظهور على أقرانه. ولكن سكّن ريبتي استعانة رشيد رضا بالشيخ الشنقيطي؛ لما أعرفه عنه من التثبُّت، وحسن بصره بلغة القوم في عصورهم المختلفة " (أسرار البلاغة 8).

فهذا ذم له في علمه بقلة التثبت، وفي نيته بحب الظهور!

ثم أثبت مقدمة الشيخ رشيد في مقدمة نشرته من الأسرار، وكرَّ عليها بتعليق طويل من ص 17 إلى ص 30، كله في رَدِّ ما أصاب الحياة الأدبية من فساد، وما دَرَج عليه زعماء التنوير أو زاعموه، من الاستهانة بالتراث، وبكُتب العلم، ومَن جاء بعدهم من باحثين أو ناكثين، ومن تلاهم من أطفال (كما سماهم) وناشئين - ردَّ كل ذلك إلى الشيخ محمد عبده، وحَمَّله وزرَه، ونسب إليه شرَّه، وجعله أول من ابتدأه، ونقب نقبه، مستدلاًّ بمعركته مع شيوخ الأزهر على أيامه، وبما كتبه من تقريظ لنشرة أحد تلاميذه لكتاب التلخيص لعلوم البلاغة للقزويني، وهو الأستاذ الأديب عبد الرحمن البرقوقي - رحمه الله - وفي هذا التقريظ قول الشيخ محمد عبده: " شرَحه كثير من الناظرين في الفن، وتعلَّق الأغلب بلفظه، ولم ينظروا الغايةَ من وضعه، فصرفوا الوقت فيه، وفاتتهم البلاغة نفسها بجميع مقاصدها، فلا هم يحسنون إذا كتبوا، ولا هم يُقنعون إذا خطبوا، ولا يحسنون السماع إذا خوطبوا، كما هو معروف لأنفسهم، ولكل من يعرفهم " (التلخيص 19).

وذكر ما وصف به الشيخ رشيد رضا عمل السكَّاكي في المفتاح ومن جاء بعده من أنه: " لم يسلم من التكلف في بعض عباراته، والتعقيد في بعض منازعه ... كان السكاكي وسطًا بين عبد القاهر الذي جمع في البلاغة بين العلم والعمل وأضرابه من البلغاء العاملين، وبين المتكلفين من المتأخرين الذين سلكوا بالبيان مسلك العلوم النظرية ... ثم تنافسوا في الاختصار والإيجاز، حتى صارت كتب البيان أشبه بالمعمَّيات والألغاز ... وكان من أثر فساد ذوق اللغة اختيار هذه الكتب التي ملكت العُجمةُ عليها أمرَها، على الكتب التي تهديك إلى العلم الصحيح بمعانيها، وتهدي إليك الذوق السليم بأساليبها ومناحيها، فكادت كتب عبد القاهر تُمحى وتُنسخ، وصارت حواشي السعد تُطبع وتنسخ " (أسرار البلاغة نشرة الشيخ رشيد ص: ز-ح).

وقال الشيخ شاكر: " ... فراعني يومئذ (أي في صدر شبابه) ما يقوله الشيخ في السعد التفتازاني الذي أثنى عليه كل من ترجم له ... ومع ذلك فقد دعاني ما كتبه عن كتب السعد أن أنظر فيها وأقرأها، فوجدت أنه قد ظلم السعد ظلمًا بيِّنًا؛ لأن الرجل كان يكتب لأهل زمانه، وما ألِفوا من العبارة عن علمهم، وأن فيه من النظر الدقيق في البلاغة قدرًا لا يستهين به أحد يحمل في نفسه قدرًا من الإنصاف ".

ثم ذكر أنه قرأ مقدمة الأستاذ البرقوقي للتلخيص، وفيها: " ظهر حوالي ذلك قوم دَرَجوا في عُش الفلسفة، فوضعوا على هذا الكتاب الشروح والحواشي، وسلكوا بها مسلكًا تنكره اللغة، ويستهجنه البلغاء، فأغمضوا عن أسرار البلاغة، وتشبَّثوا بالفلسفة، وحمي بينهم وطيس المناظرة، حتى أتوا على الذَّمَاء الباقي من هذا العلم ... " (التلخيص 4).

وأثنى الأستاذ البرقوقي على الشيخ محمد عبده، وذكر فضله في العناية بكتابي عبد القاهر الأسرار والدلائل، ونشْره لهما، إقرائه لهما، وحثه على قراءتهما. ونقل هذا الشيخ شاكر مختصَرًا قائلاً في الحاشية: " اختصار لثرثرة طويلة من مقدمة الشيخ البرقوقي " (أسرار البلاغة 18).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير