تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وذكر أن ما قاله الشيخان رضا والبرقوقي على ما حدَّثه به الكبار الذين أدركوا ذلك الزمن - إنما هو ترديد لما كان يقوله الشيخ محمد عبده في دروسه ومجالسه في ذم الكتب التي كان الطلبة في الأزهر يدرسونها، قال: " فتلقفوا عنه هذا الطعن بالتسليم دون فحص أو نظر. وهذه الخصلة وحدها ليست من خصال أهل العلم، إنما هي تشدُّق وثرثرة، كل امرئ قادر على أن يتبجح بها ويتباهى، وقبل كل شيء فهي في حقيقتها صد صريح عن هذه الكتب، يورث الازدراء، ويغري بالانصراف عما فيها، ويحمل على تحقير أصحابها. وفُتح هذا الباب ولم يغلق إلى هذا اليوم " (أسرار البلاغة 18 - 19) ... " فكان هذا أول صَدْع في تراث الأمة العربية الإسلامية، وأول دعوة لإسقاط تاريخ طويل من التأليف، وما كتبه علماء الأمة المتأخرون إسقاطًا كاملاً، يتداوله الشباب بألسنتهم ... وأورثهم الاستهانة بها " (ص 21).

ثم ذكر الدكتور طه حسين وأنه " سمع ما كانت تتناقله الألسنة الطاعنة في كتب الأزهر باستهانة وبلا مبالاة، فوقرت الاستهانة في أعماق نفسه " (ص 21 - 22) ... " وأن الذي هوَّن على الدكتور طه أن يأتي بنظريته في الطعن في الشعر الجاهلي وفي علماء الأمة هو ما تأثر به من سماع ما تناقلته ألسنة المحيطين بالشيخ عبده من الطعن في كتب البلاغة وعلمائها الكبار باستهانة، وبلا مبالاة، فوقرت هذه الاستهانة في أعماق قلبه، ونضَحت نضْحَها في كل صفحة من صفحات كتابه في الشعر الجاهلي " (ص 23).

ومضى الشيخ شاكر شوطًا آخر في تحميل الشيخ محمد عبده ما وصل إليه الناس، قال: " إنما قصصت هذا التاريخ الطويل لأنه تاريخ لداء الاستهانة وقلة المبالاة الذي سرى في الناس، ولأنه يكشف لنا بوضوح أسباب فساد حياتنا الأدبية التي نعيشها اليوم، وهي حياة فاسدة؛ لأن أساتذتنا الكبار استهانوا بما يقولون، وتركوا ألسنتهم تطول وترعى في مرتع وخيم، واستهانتهم هذه لم تقتصر جنايتها على العلم والأدب أو التاريخ أو الدين، بل جنت أيضًا على الحياة السياسية التي جاءت بعد ثورة مصر سنة 1919، بل استشرت أيضًا حتى جنت على ما هو أعظم، جنت على عامة الناس في حياتهم اليومية، وأعمالهم التي يزاولونها بأيديهم وعقولهم ليكسبوا رزق أيامهم، وقُوت أنفسهم وقوت عيالهم. كانت الاستهانة شرارة خفية تحت الرماد، وإذا بها اليوم نار ساطعة يستطير لهيبها يمينًا وشمالاً .. " (ص 25 - 26).

(4)

حنانيك - أستاذنا وإمامنا - أكلُّ هذا جناه الشيخ محمد عبده، أكلُّ ما في الحياة العربية والإسلامية من فساد في العلم والأدب والتاريخ والدين والسياسة والعمل لكسب الرزق - من ورائه محمد عبده، وآراء محمد عبده؟!! أكان الرجل مفسدًا إلى هذا القدر؟ بل أكان في قدرته وطوقه ومُكنته أن يُحدث كل هذا الفساد في كل هذه الْحيَوَات، وفي كل العلوم، حتى يصل شره إلى العامة في أعمالهم وصنائعهم؟!!

ولنا - يا أستاذنا وإمامنا - أن نستعين عليك بكلامك، ونردَّ قولك بقولك، ونحتج عليك بمثل حجتك، فقد قلت - رحمك الله وتغمدك بمغفرته! - فيما قال الشيخان رشيد والبرقوقي: " إنما هو ترديد لما كان يقوله الشيخ محمد عبده ... فتلقَّفوا عنه هذا الطعن بالتسليم دون فحص أو نظر. وهذه الخصلة وحدها ليست من خصال أهل العلم، إنما هي تشدُّق وثرثرة، كل امرئ قادر على أن يتبجح بها ويتباهى، وقبل كل شيء فهي في حقيقتها صدٌّ صريح عن هذه الكتب، يورث الازدراء، ويغري بالانصراف عما فيها، ويحمل على تحقير أصحابها ".

قلتَ هذا، فهل تأذن لنا أن نتوقف في مقالتك في الشيخ محمد عبده، وألا نردِّد ما تقوله ولا نتلقَّف هذا الطعن بلا فحص أو نظر، حتى لا ندخل فيما ذممته من التشدُّق والثرثرة، وحتى لا يورثنا ذلك الازدراء والاستهانة بكتب الشيخ محمد عبده وأصحابه وتلاميذه، وهم ليسوا بالمنزلة الهينة علينا، ولا بالقدر الضعيف عندنا، وفيهم علماء وأدباء وأئمة، ولو ذهبنا نعدهم لما أحصيناهم، وليس الشيخان رشيد والبرقوقي بأولهم ولا آخرهم، أليس منهم مصطفى صادق الرافعي، وحافظ إبراهيم، ومطفى لطفي المنفلوطي، ومحمد مصطفى المراغي، ومصطفى عبد الرازق، ومحمد كرد علي؟ حتى قال الأستاذ الدكتور محمد رجب البيومي في أول كتابه: (النهضة الإسلامية في سير أعلامها

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير