ـ[عدنان أجانة]ــــــــ[26 Jul 2009, 02:24 م]ـ
لطالما استمتعت بكلام الفاضل أبي فهر، واستمتعت بقراءة ما يكتبه من تعليقات، ولطالما استوقفتني بعض العبارات في كلامكم، وكنت أحملها على أحسن المحامل لدي، وقد قرأت مقالكم السالف، فكان مما استوقفني حديثكم عن [أولئك النحاة أمثال سيبويه وأبي عبيدة والأخفش والفراء] وتعقيبكم عليهم فيما قالوه في معنى القرية، بقولكم: وكل ذلك خطأٌ محدثٌ، وقد راعني ما رأيت من هذا الحكم الجازم، القاضي بتخطئة هؤلاء. وخلصت أن الكلام فيه مبالغة غير محمودة، لأنني نظرت إلى المسألة فقلت:
لا ريب أن هؤلاء النحاة كانوا يحفظون كتاب الله تعالى، ويتلونه آناء الليل وأطراف النهار، ولا ريب أيضا أنهم كانوا على علم بهذا اللسان العربي المبين، وكان ما يقولونه في آي الكتاب راجع إلى أمرين، إما النقل عن مشيختهم من أهل العلم والرواية واللغة، وإما ما اهتدوا إليه بعد فضل نظر وتأمل، ولا ريب أيضا أنهم لم يكونوا ليتجرؤا القول في القرآن، بدون حجة ظاهرة، وبدون أثارة من علم، فالتجرؤ على تخطئتهم جملة واحدة، وجمعهم في قرن واحد، عدول عن نهج الصواب، وتهجم على التخطئة،
ثم بعد هذا فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذه المسألة بخصوصها في فتاويه، وكان مما قال فيها:
وَمِنْ الْأَمْثِلَةِ الْمَشْهُورَةِ لِمَنْ يُثْبِتُ الْمَجَازَ فِي الْقُرْآنِ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}. قَالُوا الْمُرَادُ بِهِ أَهْلُهَا فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَقِيلَ لَهُمْ: لَفْظُ الْقَرْيَةِ وَالْمَدِينَةِ وَالنَّهْرِ وَالْمِيزَابِ؛ وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي فِيهَا الْحَالُّ وَالْمَحَالُّ كِلَاهُمَا دَاخِلٌ فِي الِاسْمِ. ثُمَّ قَدْ يَعُودُ الْحُكْمُ عَلَى الْحَالِّ وَهُوَ السُّكَّانُ وَتَارَةً عَلَى الْمَحَلِّ وَهُوَ الْمَكَانُ وَكَذَلِكَ فِي النَّهْرِ يُقَالُ: حَفَرْت النَّهْرَ وَهُوَ الْمَحَلُّ. وَجَرَى النَّهْرُ وَهُوَ الْمَاءُ وَوَضَعْت الْمِيزَابَ وَهُوَ الْمَحَلُّ وَجَرَى الْمِيزَابُ وَهُوَ الْمَاءُ وَكَذَلِكَ الْقَرْيَةُ قَالَ تَعَالَى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً}. وَقَوْلُهُ: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إلَّا أَنْ قَالُوا إنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}. وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ}. فَجَعَلَ الْقُرَى هُمْ السُّكَّانُ. وَقَالَ: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ}. وَهُمْ السُّكَّانُ. وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا}. وَقَالَ تَعَالَى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا}. فَهَذَا الْمَكَانُ لَا السُّكَّانُ لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يُلْحَظَ أَنَّهُ كَانَ مَسْكُونًا؛ فَلَا يُسَمَّى قَرْيَةً إلَّا إذَا كَانَ قَدْ عُمِّرَ لِلسُّكْنَى مَأْخُوذٌ مِنْ الْقُرَى وَهُوَ الْجَمْعُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: قَرَيْت الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ إذَا جَمَعْته فِيهِ.اهـ
فدل كلامه على أن القرية في استعمال الكتاب، لفظ يطلق على معنيين، يطلق على الساكن والمساكن، وله نظائر كثيرة، ولم يخطئ لنا سيبويه وأمثاله، لأن قصارى ما في الأمر، أنهم حملوا اللفظ على وجه واحد من المعنى، لأسباب رأوها، إما اعتمادهم على ما نقل لهم مشيختهم من أهل اللغة، وإما اتكالهم على ما يحفظونه من شواهد في هذا الباب، وإما فضل نظر دلهم على هذا الأمر.
ثم إنكم ذكرتم في معرض الحديث عن معنى القرية، مادة القرار، وصنيع المعاجم أن كلمة القرية من مادة قرى. وليس من مادة قرر.
وقد عد ابن فارس القاف والراء والحرف المعتل أصلا صحيحا، يدل على جمعٍ واجتماعٍ.
ودمتم بخير
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[26 Jul 2009, 03:21 م]ـ
[فدل كلامه على أن القرية في استعمال الكتاب، لفظ يطلق على معنيين، يطلق على الساكن والمساكن،]
بارك الله فيك ونفع بك ..
وليس هذا هو قول شيخ الإسلام .. بل قول شيخ الإسلام هو قولنا .. فليست القرية لفظة تستعملها العرب في معنيين وإنما هي مجموع كلي يستعمل في الدلالة على أفراده المضمنة في نفس المجموع ... وهذه الأفراد داخلة داخل الاسم وليس الاسم يستعمل في الدلالة على هذا وهذا .. والفرق بينهما دقيق جداً ويحتاج لتأمل ...
فلو قلنا إن لفظ القرية يستعمل في الدلالة على الناس وعلى البنيان = لجاز إطلاق لفظ القرية على الناس ولو كانوا بدواً رحل .. وهذا لا يقع
ولجاز إطلاق لفظ القرية على البنيان الخالي من الناس وهذا لا يقع ...
ولا يُطلق لفظ القرية إلا على المجموع ثم أنت تخص بعض أفراد المجموع بحكم لكن هذه الأفراد لا تنفصل وحدها لتأخذ حكماً ..
قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: ((القرية مثل الإنسان , فكما أن الإنسان هو جسده ونفسه جميعاً , فكذلك القرية هي الناس والبنيان جميعا)).
ومن هنا جاء خطأ النحاة الذين قالوا إن لفظ القرية يُطلق على الدور والبنيان وجعلوا إطلاق لفظ القرية على الناس هو من التجوز وجعلوا لفظ القرية بإزاء الدور وحدها
فالخطأ من جهتين:
الأولى: جعل لفظ القرية بإزاء الدور والبنيان وحدها.
الثاني: غفلة نظرهم عن المعنى العربي الصحيح للفظ القرية فلو قالوا حتى بأن لفظ القرية بإزاء المعنيين يستعمل في كل منهما وحده = لكان خطأ ..
¥