إلا إن أثبت لنا أمرا، وهو: أنك قمت باستقراء شامل تام، لما هو بين أيدينا من كتب السنة، ودواوين الشعر المحتج به، من العصر الجاهلي، إلى زمن بني أمية، وبعده بيسير. وكان هذا الاستقراء مبنيا على الضبط والتحليل الدقيق لكلمة العقل الواردة في بعض النصوص النبوية والأبيات الشعرية المحتج بها. ثم كانت النتيجة ما أنت ذاكره في هذا الملتقى المبارك.
ودمتم بخير.
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[12 Aug 2009, 03:09 م]ـ
بارك الله فيك أخي عدنان ..
ليس كلامي هاهنا أجنبي عن الصناعة الحديثية،بل هو من باب فقه المتن الذي يزعم المستشرقون أن المحدثين قصروا فيه، وأرى أنا أنهم لم يُعطوه تمام حقه لكنهم لم يُقصروا ..
والباب الذي نتكلم فيه مبني على ثلاث مقدمات:
المقدمة الأولى: أن جواز تغيير الألفاظ وروايتها بالمعنى هو الذي عليه عامة المحدثين وغالبهم وحكي إجماعاً.
المقدمة الثانية: أن هذا التغيير إنما يقعُ بلسان أولئك الرواة،ولسانهم هذا يوافق اللسان القديم تارة ويوافق اللسان المولد تارة.
المقدمة الثالثة: استحالة وقوع لفظ مولد في القرآن أو السنة أو كلام الصحابة.
فالآن: نحن نطلبُ الصدق في تحقيق لفظة (العقل) هل هي من اللسان القديم أم من اللسان المولد؟؟
فاستقرأنا الكتاب ..
واستقرأنا السنة ..
واستقرأنا الشعر العربي ..
ولم يبق في أيدينا بعد هذا البحث سوى:
1 - خبر: ((الخمر ما خامر العقل .. )).
2 - بيت عبدة بن الطبيب: ((فخامر العقل .. )).
وهذا هو أحسن ما يُركن إليه في هذا الباب ... والباقي ليس من الكلام العربي الثابت ..
فنظرنا فإذا هذه اللفظة أعظم مكاناً وأجل موضعاً من أن تخفى حتى تنفرد بها هذه المواضع
ونظرنا فإذا موضع هذه اللفظة في الكلام العربي قرآناً وسنة وشعراً هو القلب وليس العقل وأدلة ذلك بالعشرات ..
وكيف يكون الإنسان يعقل بعقل ثم يخلو من تلك اللفظة عامة البيان العربي؟؟!!
ثم وجدنا الرواية المفضلية الصحيحة لبيت عبدة هي: ((فخامر القلب .. )) ..
ولما كنا نعقل أثر التوليد على ألسنة الناس، وأثر وضع الدلالات الحادثة موضع القيمة، وأثر تغيير الألفاظ والرواية بالمعنى = لم نمتنع أن نقضي بشذوذ تلك اللفظة في خبر عمر وأنها من تغيير الرواة ودليلنا ما ذكرنا ..
وإذا كان البعض يستدل على كون بعض الألفاظ روي بالمعنى بمجرد اتحاد المجلس = فلئن يستدل على أن لفظاً روي بالمعنى بخلو الكلام العربي الفصيح منها وبوجود بدلها في موضعها مما يقضي بخطأ استعمالها في هذا الموع = أحرى وأولى ..
ولستُ أزعم أن تلك جادة مطروقة بل أفخر ولا أخجل أني أعبد بعض طرقها،وإني كلما نظرتُ في أثر تضييع دلالة لفظة العقل في الكلام العربي،ووضعها في موضع عقل يعقل عقلاً، وكيف أضاع ذلك دلالة بعض الأخبار وأوقعنا في حفر الشبهات كما وقع في خبر: ((ناقصات عقل .. )) = زاد حرصي على كشف غمة هذا الغبش الدلالي ..
ـ[عدنان أجانة]ــــــــ[12 Aug 2009, 04:42 م]ـ
شكر الله لكم أخي أبا فهر ما تفضلتم به من حسن البيان والتوضيح.
وعندي فيما ذكرتم مواضع فيها فضل نظر أثبتها للمحاورة.
وقبل ذلك عندي تنبيهان لغويان، لعلهما وقعا سهوا.
الأول قولكم: "ليس كلامي هاهنا أجنبي عن الصناعة الحديثية " صواب العبارة أجنبيا.
الثاني: قولكم: "فاستقرأنا الكتاب " صواب العبارة فاستقرينا لأنه من قولهم: قَرَوْتُ البلاد قَرْواً وقَرَيْتُها قَرْياً واقْتَرَيْتها واسْتَقْرَيتها إِذا تتبعتها تخرج من أَرض إِلى أَرض تنظر حالهَا وأَمرها. أما استقرأ فهي بمعنى طلب القراءة.
ـ[عدنان أجانة]ــــــــ[12 Aug 2009, 04:44 م]ـ
ثم إنكم ذكرتم أصل المسألة وكيف هو تخريجكم لها. وعلى أي أساس تتصورون الموضوع، وهو تصور حسن، والمقدمة الأولى والثانية لا غضاضة فيها. ولكن في بعض التتمة التي ذكرتم مواضع للنظر فيها متسع، منها:
1/ أني زعمت أن كلامك في وصف شذوذ الخبر، كلام خارج عن الصناعة، لاعتبار هو: أن الشذوذ والضعف. مصطلحان مستعملان في الحديث. وهذان المصطلحان لهما مفهوم عند أهل العلم بالحديث. ولا يتسنى الحكم بالشذوذ والضعف اتكالا على ما يقتضيه التركيب والرواية بالمعنى فقط. بل الأمر عندهم زائد على ذلك كما يعلم من تعريفهم للضعف والشذوذ. وأن ذلك مرده إلى انفراد الراوي ومخالفته للجماعة، وعدم ضبطه. وخبر عمر في الخمر مما تفرد بروايته الشعبي فيما أظن عن ابن عمر. ومدار الحديث على هذا المخرج، فلا يتأتى مع هذا وصفه بالشذوذ على المعنى الذي يقصده أهل الحديث.
فلذلك قلت: إن حديثكم عن الشذوذ مجانب لما تقتضيه الصناعة الحديثية.
2/ دائرة الشعر المحتج به، تصاحبنا إلى بداية عهد بني العباس.
والشواهد الشعرية في هذه الفترة، وقبلها كثيرة، وردت فيها لفظة العقل.
فلا أدري وجهها عنكم؟
3/ أ ما ذكرتم من خبر تعبيدكم لمهيع الدلالة، فيه قوة وأصالة. كما أن فيه مهامه فيحا. نسأل الله لك التوفيق فيها والسداد.
¥