وهذا يرد به على الذين يغالون في وصف النبي صلى الله عليه وسلم، بغير ما وصفه الله تعالى به، فقد قال تعالى لنبيه: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) فأثبت له ذنباً، كم أثبت للمؤمنين وللمؤمنات، وأمره أن يستغفر لنفسه، ولهم. وقد استجاب لأمر ربه، فكان يستغفر الله في المجلس مائة مرة, وقال عن نفسه: (فإني استغفر الله سبعين مرة).
بقلم / د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي حفظه الله تعالى
ـ[محبة القرآن]ــــــــ[02 Aug 2009, 06:27 م]ـ
المقطع الثاني
كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16) قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) () كَلَّا إِنَّهَا ترذْكِرَةٌ: (كلا) كلمة ردع، وزجر, ولعلها لم تقل لنبينا صلى الله عليه وسلم في القرآن كله إلا في هذا الموضع, والمشار إليه في قوله (إنها) إما هذه الواقعة التي جرت، ففيها تذكرة. وإما أن المراد بذلك هذه الآيات التي تلوناها وأنزلناها, وهذا أقرب لدلالة ما بعدها.
(فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ): يعني فمن أراد أن يتعظ، ويدَّكر، فهاهي بين يديه. قال بعضهم: إن مرجع الضمير في قوله " فمن شاء ذكره " إلى الله عز وجل, ولكن الأليق بالسياق أن يكون المراد هذه الآيات، بدلالة ما بعدها، لأنه قال: (فمن شاء ذكره , في صحف مكرمة , مرفوعة مطهرة , بأيدي سفرة , كرامٍ بررة) , إذاً، هذه التذكرة هي هذه الآيات المتلوة، التي حفظت هذه الواقعة, وبهذا نجمع بين القولين.
(فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ): أي القرآن المتلو, في صحف مكرمة، يعني أنه مكتوب في صحف كريمة، شريفة.
(مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ): أي في منزلة عالية، رفيعة، بعيدة عن الدنس.
(بِأَيْدِي سَفَرَةٍ): قيل إن السفرة هم كتبة المصحف، يعني القراء. وإلى هذا ذهب قتادة، رحمه الله، فقال: إن السفرة هم اللذين يكتبون هذه الأسفار، وهم كتبة الوحي، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, أي القراء من الصحابة الذين يحفظون القرآن في السطور، وفي الصدور. وذهب ابن عباس، رضي الله عنهما، في الرواية المشهورة عنه، إلى أن المراد بالسفرة الملائكة, وربما روي من طريق آخر عنه أنهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم , وهي رواية قتادة عنه, والرواية الأخرى المقدمة، هي رواية العوفي عنه. وإنما سمي الملائكة سفرة، لأنهم سفراء بين الله وبين أنبيائه، والأقرب أن المراد بالسفرة الملائكة.
ووصفت هذه الصحف بأنها (مكرمة) و (مرفوعة) و (مطهرة) لأنها صحف الملائكة التي يستنسخون بها الوحي ويكتبونه فيها. فلا شك أن ما بأيدي الملائكة رفيع القدر، بعيد عن الدنس.
(كِرَامٍ بَرَرَةٍ): وصف الله تعالى الملائكة بوصفين: (كرام بررة) , كما قال في الآية الأخرى: (كراماً كاتبين) والكريم هو الشريف, وأصل البر ما دل على كثرة الخير , فالبار هو كثير الخير. ولهذا سمي البَر بَراً لسعته وكثرته. وقد وصف الله عباده الصالحين بأنهم أبرار , ولم يصفهم بأنهم بررة, كما قال الله تعالى: (إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ) , أما الملائكة فقد وصفوا بأنهم بررة، لكثرة طاعتهم لله، قال الله عز وجل: (يسبحون الليل والنهار لا يفترون) , (لا يسئمون) , (لايستحسرون) , وقال: (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) عليهم صلوات الله وسلامه , وفي هذا ملحظ لطيف، ذكره الحافظ ابن كثير، رحمه الله، وهو أنه ينبغي لحامل القرآن أن يكون في أفعاله، وأقواله، على السداد، والرشاد. فإذا كان الملائكة، سفراء الله إلى أنبيائه، الذين يحملون الصحف المكرمة، المرفوعة، المطهرة، هذا وصفهم " كرام بررة "، فينبغي لحامل القرآن من عباد الله، أن يكون على طريق الرشاد، وعلى سبيل السداد؛ احتراماً، وصوناً لهذا للكلام الذي بين جنبيه.
¥