تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ): هذا دعاء من الله عز وجل على الإنسان. ولا يستقيم في هذا المقام أن نقول جنس الإنسان, بل ينبغي أن نخصه بالكافر. وقد لاحظ ابن عاشور، رحمه الله، أن ذكر الإنسان في القرآن المكي، غالباً ما يراد به الإنسان الكافر , كما في قول الله تعالى: (كلا إن الإنسان ليطغى).

وقوله (قتل) هذا دعاء على الكافر بالقتل. والدعاء عليه بالقتل المراد به اللعن، لأن ذلك طرد، وإبعاد له عن رحمة الله.

وقوله: (ما أكفره) تحتمل (ما) معنيين:

أن تكون تعجبية: أي ما أشد كفره, فالله خلقه، ورزقه، وأعده، وأمده، ثم يكفر به! أو تكون استفهامية: يعني أي شيء أكفره؟ لماذا كفر؟ وكأنها تعجبية أوقع.

(مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ): هذا الاستفهام للتقرير؛ لأن الله سبحانه وتعالى أعلم, والمراد ما أصل خلقه؟.

(مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَه ُ): والمراد هنا: من سوى آدم عليه السلام , لأن آدم عليه السلام خلق من قبضة من تراب, والمراد بالنطفة: هو نطف المني ودفقته. هذا أصل خلق الإنسان, ما يقذفه الرجل في رحم الأنثى، يكون منتن الريح، يستحي من ذكره. وقد جاء العلم الحديث ليبين أن حال الإنسان أحقر حتى مما كان يفهم من مجرد الصورة الظاهرة للنطفة؛ فالإنسان يخلق من خلية لا ترى إلا بالمجاهر الدقيقة, فهذه النطفة، أو القذفة المنوية، تحتوي على ملايين الحيوانات المنوية. فتأمل بداية خلق الإنسان! فما الذي يجعله يشمخ بأنفه، ويتعالى على ربه، ويستنكف عن عبادته؟

(فقدره) بعد أن خلقه، أمده، وأعده, أعطاه الآلات، والأدواتن التي يقدر فيها على الفعل، والكسبنوالحرث، والضرب في الأرض.

(ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ): قيل في معنى (السبيل) قولان:

إما أن المراد بالسبيل: طريق خروجه من بطن أمه. وإلى هذا ذهب ابن عباس رضي الله عنهما. وهذا الأمر مدهش! هذا الجنين الذي احتواه الرحم تسعة أشهر، يسهل الله تعالى مخرجه من هذه المخارج الضيقة! ويجري من التغيرات العضوية على الرحم، ومخرج الولد، ما يجعله يتسع، ليخرج منه هذا الكائن.

وقيل أن المراد بالسبيل: هو طريق الحق أو الباطل. ومعنى (يسره) أي مهد له ذلك السبيل، وبين له الخير من الشر، كما قال في الآية الأخرى: (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً). فهذه الآية تؤيد المعنى الآخر، وإلى هذا ذهب مجاهد، رحمه الله، ويشهد له قول الله عز وجل: (وهديناه النجدين) يعني الطريقين؛ طريق الخير، وطريق الشر. ولا مانع من حمل الآية على المعنيين؛ لأنه لا تعارض بينهما.

(ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ): يعني بعد أن طوى هذا العمر، سالكاً طريق الخير، أو الشر، أماته , لأن الله تعالى قضى بالموت على كل حي، حتى ملك الموت يموت , فلا يبقى إلا الله الواحد القهار. والموت أمر وجودي، كما قال الله تعالى: (الذي خلق الموت والحياة) فالموت إذاً أمر وجودي لأنه مخلوق. ومعنى (أقبره) أي أمر بدفنه؛ وفي اللغة يقال " قابر " ويقال " مُقبر " فالقابر هو الذي يباشر الدفن, والمُقبر هو الذي يأمر بالدفن. فهنا قال: (فأقبره) , ولم يقل " فقبره ". والدفن سنة كونية، ولهذا لما قتل ابن آدم الأول أخاه (بعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يوارى سوءة أخيه قال ياويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين) , فلم يزل بنو آدم يقبرون موتاهم، إلا من طمسه الله عز وجل، من الذين يحرقون الموتى, لكنهم بعد إحراقهم للموتى يدفنون رمادهم.

(ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ): أي بعثه وأحياه بعد موته. وقوله (إذا شاء) ليس المراد أنه قد يشاء أن ينشره، وقد لا يشاء ذلك؛ لأنه لابد من البعث, وإنما المراد زمن بعثه، يعني إذا شاء أن ينشره أنشره في الوقت المعين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير