عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42))
(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ): هذه دعوة من الله عز وجل للإنسان , والمراد به هاهنا جنس الإنسان؛ لأن هذا لا يختص بالكافر, وإن كان الخطاب يتوجه بالدرجة الأولى إلى الكافر، المنكر للبعث, لكنه في الواقع يتناول المؤمن ليتعظ، ويتدبر. والإنسان بطبعه يتبلد حسه بالنسبة للأمور المألوفة, فلا يلقي لها بالاً، ولا يعتبر دوماً، ولا يتبصر بما يتكرر عليه ليل نهار، صباح مساء. فالله تعالى يصرف فكر الإنسان إلى أقرب الأشياء إليه، وهو هذا الطعام الذي يتناوله يومياً، ولم تحدثه نفسه أن يفكر في مصدره, وكيف سيق إليه؟
(أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا): وهذه القراءة هي المشهورة بفتح الهمزة (أَنَّا)، وعلى هذا تكون الجملة بدل اشتمال لقوله (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ). والمراد بصب الماء كون الله عز وجل أنزل المطر على الأرض غزيراً قوياً, متتابعاً.
(ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا): و " ثم " ها هنا تفيد التراخي؛ لأن الإنبات لا يحصل مباشرة , بل يقع في جوف الأرض من التكونات العضوية لهذه النباتات ما يستغرق فترة طالت، أو قصرت. ومعنى (شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا) أن الله سبحانه وتعالى فتق وجه الأرض، فأخرج هذا النبات. فتجد النبتة تشق الصعيد، أو تبحث من بين الصخور الصلبة عن شق تخرج منه , حتى إذا قويت واشتد عودها فلقت الصخر، بقدرة الله عز وجل.
(فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا): أي في هذه الأرض, والحب: اسم جنس لجميع الحبوب، فيشمل البر، والشعير، والذرة، والدخن، وغير ذلك من أنواع الحبوب.
(وَعِنَبًا وَقَضْبًا): العنب هو الكرم , وذكرهما الله تعالى لكرامتهما، عند من نزل فيهم القرآن , فإن الحب قوتهم، والعنب فاكهتهم.
وأما (القضب) التفسير الشامل أو العام لهذه اللفظة أنه كل ما يقضب من النبات، فيجز، فينبت مرة أخرى. ومعنى أنه يقضب من القضب وهو القبض، وجذرهما واحد. وقد اختلفت عبارات المفسرين في معنى القضب، فقيل في معناه: أنها الرطبة يعني أي نبت رطب، وقيل في معناه: العلف، وتحديداً القت, ويلحق به على هذا جميع أنواع البقوليات التي تنبت على وجه الأرض.
(وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا): الزيتون معروف , وقد ذكره الله في غير ما موضع في كتابه , وهو شجرة كريمة، ويخرج منه زيت مبارك (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآَكِلِينَ) , والنخل كذلك معروف، وهو الشجرة الرئيسية، والثمرة الأساسية التي يقتاتون منها, ولا ريب أنها من أكرم أنواع الأشجار، بل هي أكرمها، وأعظمها فائدة، ولهذا شبه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن بالنخلة, وألغز أصحابه يوماً، فسألهم عن شجرة لا يسقط ورقها، مثلها مثل المؤمن، فوقع الناس في شجر البادية, وهذا من الخطأ؛ إذا سئل الإنسان، أن يجنح إلى الأمور البعيدة، ينبغي أن يبدأ بالأقرب. فوقع في نفس ابن عمر، رضي الله عنهما، أنها النخلة، قال: فنظرت، فإذا أنا أصغر القوم، فاستحييت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم، إنها النخلة, قال: فحدثت أبي، فأسف عمر، رضي الله عنه، وتمنى أن لو أجاب ابنه، ولا أن له بذلك كذا وكذا. والمقصود أن النخل من أكرم الأشجار، وأعظمها بركة. وقد ذكره الله عز وجل، في مواضع كثيرة من كتابه.
(وَحَدَائِقَ غُلْبًا): الحدائق البساتين؛ لأنها تحدق بمن كان بداخلها لكثافتها، والتفاف أشجارها. ومعنى (غلباً) أي غلاظاً، وقيل عظيمة، وقيل كراماً، والحق أنه يشمل ذلك كله؛ بمعنى أن الحدائق هذه حدائق تحتوي على أشجار ضخمة، عظام، كرام, ولهذا فسرت بأنها النخل الكرام, فمعنى " الغلب " ما يدل على العظمة، والمتانة، والقوة، ونحو ذلك.
¥