المثال الثاني قال السيوطي رحمه الله: "الحال السادس أن لا يمكن ذلك (أي نزول الآية عقيب الأسباب المختلفة إذا لم يكن بينها تباعد) فيحمل على تعدد النزول.
مثاله ما أخرجه الشيخان عن المسيب، قال لما حضر أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول الله وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبى أمية فقال: أي عم قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله. فقال أبو جهل وعبد الله يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب، فلم يزالا يكلمانه حتى قال هو على ملة عبد المطلب. فقال النبي لأستغفرن لك ما لم أنه عنه، فنزلت: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) الآية [سورة التوبة/113] وأخرج الترمذي وحسنه عن على قال سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان فقلت تستغفر لأبويك وهما مشركان، فقال استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك، فذكرت ذلك لرسول الله فنزلت.
وأخرج الحاكم وغيره عن ابن مسعود قال خرج النبي الوقت. ذكر السيوطي رحمه الله الأمر الأول فقال: "قد يكون في إحدى القصتين فتلاقيهم الراوي فيقول فنزل. مثاله ما أخرجه الترمذي وصححه عن ابن عباس قال مر يهودي بالنبي فقال كيف تقول يا أبا القاسم إذا وضع الله السماوات على ذه والأرضين على ذه والماء على ذه والجبال على ذه وسائر الخلق على ذه فانزل الله: (وما قدروا الله حق قدره) [سورة الزمر/67] والحديث في الصحيح بلفظ: "فتلا رسول الله " وهو الصواب، فإن الآية مكية".
وأما الأمر الثاني فهو أكثر مما يرى بادي الرأي ونذكر له مثالا. ذهب فيه السيوطي
وهذا الذي أثاره الفراهي في أول كلامه مخالف لما اعتاد عليه المتأخرون في تعريف سبب النزول، وقصره على ما نزل القرآن بشأنه وقت وقوعه خصوصاً، وإن كانت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب في رأي جمهورهم.
وهذا الكلام الذي أشار إليه الفراهي جدير بالنقاش والتأمل، ولذلك طرحته هنا للمدراسة فيما بيننا لعلنا نصل إلى رأي علمي يطمئن إليه في التعريف الصحيح لسبب النزول.
ــــــــــــــــ
(1) لباب النقول في أسباب النزول، والإتقان في علوم القرآن.
(2) من مذكرة له في أسباب النزول تجدها على موقعه الإلكتروني رحمه الله.
ـ[ابن جرير العربي]ــــــــ[06 Jan 2010, 12:16 م]ـ
[وهذا الذي أثاره الفراهي في أول كلامه مخالف لما اعتاد عليه المتأخرون في تعريف سبب النزول، وقصره على ما نزل القرآن بشأنه وقت وقوعه خصوصاً، وإن كانت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب في رأي جمهورهم.
وهذا الكلام الذي أشار إليه الفراهي جدير بالنقاش والتأمل، ولذلك طرحته هنا للمدراسة فيما بيننا لعلنا نصل إلى رأي علمي يطمئن إليه في التعريف الصحيح لسبب النزول.]
ـ[أبو صفوت]ــــــــ[16 Jul 2010, 10:02 ص]ـ
أما كلام الفراهي - رحمه الله - فهو كلام مهم، وهو كلام من عانى كلام السلف الكثير في ذلك الجانب، والقضية عند السلف كان مدارها على الاتساع والتعبير بالنزول في كل ما يندرج تحت نطاق المعنى العام للآية سواء نزل قبل الآية أو بعدها، وسواء كان مقصودا بها قصدا أوليا أو غير مقصود.
أما المتأخرون (بتعبير الفراهي) فقد حصل منهم نوع تضييق لهذا الاتساع كالشأن في كثير من مصطلحات العلوم المختلفة، وهذا التضييق صادق على بعض تعبيرات السلف عن النزول وهو ما نزل بشأنه قرآن في واقعة حصلت في زمن النزول، وهو إطلاق صحيح في ذاته، لكن الإشكال كامن في جعل هذا المصطلح الضيق سيفا على الاستعمالات الأخرى للنزول الخارجة عن نطاقه، بحيث تهدر كل تلك الأقوال الوارد فيها لفظ النزول مما لا يدخل في نطاق المتأخرين بدعوى أنها ضعيفة السند أو حصلت قبل الآية أو بعدها بزمن طويل، وهذا الرد لها منتقد بكونها لا يشترط في مثلها صحة السند إذ هي من قبيل التفسير وبيان صدق معنى الآية على تلك الأحداث و لا علاقة لها من قريب أو بعيد بواقعة النزول ولا زمانه إلا اشتراكهما في المعنى العام أو الجزئي للآية
وقد ذكر ولي الله الدهلوي في كتابه الفوز الكبير كلاما مهما نفيسا في هذا الجانب قريب مما ذكره الفراهي حيث قال (وقد ينقل المتقدمون من المفسرين في مثل هذه المواضع أمثال هذه القصص والحوادث بغية استيعاب الآثار المناسبة الواردة حول تلك الآية، أو لبيان ما يصدق عليه العموم اللفظي من المعاني، وليس من الضروري ذكر هذه القصص والحوادث كأسباب النزول؛ لأن فهم معنى الآية لا يتوقف عليها.
وقد تحقق لدى الفقير أن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين كثيرا ما يقولون: نزلت الآية في كذا، ولا يكون غرضهم إلا تصوير ما تصدق عليه الآية من الأحداث والمعاني، وذكر بعض القصص والوقائع التي تشملها الآية الكريمة لعموم لفظها، سواء كانت القصة متقدمة على نزول الآية أو متأخرة عنها، إسرائيلية كانت أو جاهلية أو إسلامية، تنطبق على جميع قيود الآية أو بعضها.
وقد تبين من هنا أن للاجتهاد مدخلا في هذا القسم الثاني من أسباب النزول، وأنه يتسع لإيراد القصص المتعددة، فكل من يستحضر هذه النكتة، يستطيع أن يعالج اختلافات أسباب النزول بأدنى نظرة وتأمل " الفوز الكبير في أصول التفسير لولي الله الدهلوي ص: 175: 176.
وهذا الموضوع من الموضوعات المهمة الجديرة بالبحث ولعل الله ييسر طرح مقالة خاصة به قريبا
¥